عندما يبدأ مهرجان من قلعة صلاح الدين وروعة العمارة الاسلامية ويختتم في الصوت والضوء وابهار الحضارة الفرعونية ويتخلله عرس فني تلألات فيه اضواء سبعه قاعات في دار الاوبرا المصرية 12 ساعة يوميا فتخرج من فيلم رعب هولندي لفيلم رومانسي انجليزي وافلام ثري دي واخري رسوم متحركة تنقلك من ثقافة الي ثقافة ومن حالة مزاجية الي حالة اخري وينتهي الامر بأن يفوز ممثل مصري ( معارض للنظام السياسي ) وفيلم ايراني ( دولة ايضا مخالفة للنظام السياسي ) فتلك هي خلاصة فكرة الفن الذي يقرب المتباعدين ويمزج الثقافات ويقرب الشعوب ويلهب خيال ويمتع البصر ويعمل الفكر … انها ببساطة الدورة ال36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي .
امر عجيب ان يترك اعلامي كل ما سبق ويتحدث في هفوات حدثت في تنظيم حفل افتتاح المهرجان اوافق علي مناقشة العيوب حتي لا تتكرر حفاظا علي صورة مصر وسمعتها الدولية لكن الرؤية من كل الزوايا هي الرؤية الاصح والاوقع .
عودة مهرجان القاهرة السينمائي رسالة هامة للعالم اجمع بقوة المهرجان وتخطية سنوات عانت فيها مصر من الاوضاع الامنية ورسالة اخري بأن مصر تستعيد عافيتها في كل المجالات .
رغم انتقادات الكثيرين – ومعهم الحق – ان حفل الافتتاح وغلبة الاحوال الجوية وتأثيرها علي الصوت من جانب وانتقادات اخري لاسر ياسين مقدم الحفل الا ان القلعة لها سحرها الاخاذ وانتقادات اخري لسوء لغة غادة عبد الرازق واشياء اخري نتمني من ادارة المهرجان دراسة هذه الانتقادات لتلافيها في الدورة القادمة .
رغم ان المهرجان بدا عام 1976 ونظريا كان المفروض يتم عامة ال38 لكن الدورة تحمل الرقم 36 لتوقفه العامين السابقين للاوضاع الصعبه التي تجاوزتها مصر ولله الحمد .
عبارة للكبار فقط التي تصدرت المهرجان بالكامل لم تكن في محلها فالعديد من الافلام لم تكن تستدعي هذه العبارة وبالتالي فالتعميم لم يكن امرا جيدا .
لأول مرة تكون كل حفلات المهرجان بتذاكر دخول ومن خلال شركة متخصصة في التذاكر ورغم قلة سعر التذكرة بقليل عن السينما التجارية الا ان الجمهور ملأ قاعات بل انني وجدت جمهور غير قليل في الافلام اليابانية بل وافلام اخري بلغات كردية وروسية وبرازيلية والترجمه انجليزية ونتمني ان يكون هذا الامر قد افاد الدولة بمقابل مادي كبير يدعم الثقافة المصرية وصناعة السينما الحقيقية .
وجود قاعات عرض المهرجان كلها في مكان واحد وهو دار الاوبرا المصرية بقاعاتها السبعه كان امرا جيدا جعل من دار الاوبرا وكانها دار عرس مزينة بالانوار ليلا وبالزخم الجماهيري نهارا وليلا.
الفيلم المصري الاول المشارك في المسابقة ( باب الوداع ) صدم الجماهير العادية لغياب الحوار طوال الفيلم مما جعله يصنف كفيلم تجريبي الامر الذي لم يكن كذلك للكثير من السينمائيين والذين اعجبتهم جرأته في ان يجعل الصورة هي لغة الحوار مما يقوي الصورة ويمنح الجمهور فرصة اكبر للتفكير بدلا من الرسالة المباشرة .
الفيلم المصري الثاني المشارك في المهرجان ( ديكور ) هو العمل الثالث للمخرج احمد عبد الله السيد بعد ( ميكروفون ) و ( فرش وغطا ) وحقق العرض الاول للفيلم بالمسرح الكبير اعجاب جماهيري شديد للدرجه التي اراها بشكل شخصي انها العلاقة الاولي للمخرج بالجمهور بعد فيلمين سبقوه كانوا اميل للتجريبي خاصة انه التعاون الاول له مع السيناريست محمد دياب وشيرين دياب وابداع شديد لماجد الكدواني وحورية فرغلي ويارا جبران .
الفيلم المصري الثالث المشارك في المهرجان ( القط ) للمخرج ابراهيم البطوط لم يحظ نجمه عمرو واكد بنفس الاشاده التي لقيها الفيلمان السابقن رغم ان العرضين للفيلم كانا كاملي العدد واضاف له سمير فريد عرض ثالث لمن لم يستطيعوا الدخول العرضين الاولين !
خالد ابو النجا كان اكثر نجوم مصر تالقا في المهرجان بمشاركته في فيلم ( ديكور ) ممثلا عن مصر ومشاركته مرة اخري في فيلم ( عيون الحرامية ) ممثلا عن فلسطين مع المخرجه نجوي نجار وهو الفيلم الذي نال عنه الهرم الفضي كأحسن ممثل .
برنامج سينما الغد الذي قدم افلام قصيرة ومنها افلام للطلبة فرصة رائعة لكل طلبة السينما في مصر لمتابعه هذا الانتاج المتميز والمتعدد الثقافات وهو مافعلته د.غادة جبارة استاذه المونتاج بمعهد السينما واصطحبت طلبتها معها للتنظيم والاستفاده معا .
كما ان متابعة الافلام العراقية او المغربية او الجزائرية المفروض انها باللغة العربية كانت صادمة فلم يفهم المصريون اللغة العراقية القريبة للكردية اكثر من العربية والجزائرية المليئة بالفرنسية اكثر من العربية .
استحداث فكرة اقامة حفل للموسيقي التصويرية للافلام السينمائية خصص هذا العام لراجح داود هو شئ جميل امتع اذان الجمهور بعد ان امتعتهم الافلام بصريا .
كما ان حفل في شارع المعز ضمن احداث المهرجان كان اضافة ثقافية مبهره تضاف للقلعة والاوبرا والصوت والضوء .
وبدأت علاقة مصر بالسينما في نفس الوقت الذي بدأت في العالم، فالمعروف أن أول عرض سينمائى تجارى في العالم كان في ديسمبر 1895 م. في باريس وتحديدا الصالون الهندي بالمقهى الكبير (الجراند كافيه) الكائن بشارع كابوسين بالعاصمة الفرنسية باريس، وكان فيلما صامتاً للأخوين “لوميير”، وبعد هذا التاريخ بأيام قدم أول عرض سينمائى في مصر في مقهى (زوانى) بمدينة الإسكندرية في يناير 1896 م، وتبعه أول عرض سينمائى بمدينة القاهرة في 28 يناير 1896 م في سينما (سانتى)، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898 م.
وهكذا فمصر تحتفل ب118 سنة سينما و36 سنة مهرجان سينما قدمت فيها الافلام التي تحمل تاريخ مصر السياسي والاجتماعي فضلا عن مئات الافكار المتجددة والجوائز والنجوم وسينما الغد تطرح مستقبلا جديدا للسينما وارض الحلم والخيال .
مهرجان السينما نجح هذا العام لاول مرة في احداث اقبال جماهيري غير مسبوق وهذا هو الحصاد الرئيسي والعلاج الحقيقي للافلام المبتذلة عندما يهجرها الجمهور ليذهب لافلام المهرجانات ويبحث عن الفن الحقيقي.