نعمت بدر الدين *
أخيرا، وبعد مرور أحد عشر شهرا على تكليف الرئيس تمام سلام تأليف الحكومة اللبنانية، ولدت حكومة “المصلحة الوطنية”،من رحم التفجيرات الإرهابية التي استهدفت لبنان مؤخرا.ويبدو أن المخاطر الأمنية الكبيرة والداهمة هي التي دفعت فريقا الصراع الداخلي اللبناني للتوصل إلى تسوية حكومية،بعد أشهر من الخطاب التصعيدي والشعارات العالية.
فلقد شهد لبنان مؤخرا، تزايدا في الأعمال الإرهابية التي استهدفت مناطقه ونفذتها المجموعات التكفيرية،وتجلى ذلك من خلال عمليات تفجير السيارات المفخخة وعمليات قصف صاروخي على أكثر من منطقة من بينها الضاحية الجنوبية معقل “حزب الله”، وكذلك ارتفاع نسبة عمليات تهريب سيارات مفخخة وإدخال أسلحة وذخائر من الداخل السوري الى لبنان عبر الحدود المشتركة، وقد تبنت هذه الأعمال الارهابية في جميعها مجموعات تكفيرية تضم انتحاريين لبنانيين وسعوديين وسوريين وفلسطينيين.ومن المعلوم أن هذه الأعمال الإرهابية هدفت بالدرجة الاولى الى استدراج حزب الله إلى ردود أفعال انتقامية من شأنها إدخاله في أتون فتنة سنية – شيعية،تخدم المخططات التفتيتية على مستوى المنطقة.إضافة الى ذلك فإن رسائل الإرهابيين متعددة، وليست مرتبطة بالضرورة وبشكل مباشر، بمشاركة حزب الله في القتال في سوريا،كما تدعي االتسجيلات الصوتية للإنتحاريين،بل ثمة من يرى أن المطلوب أيضا هو الضغط على بيئة حزب الله، من أجل تحريضها عليه كمقدمة لتنفيذ هدف اسرائيلي و دولي معلن يتعلق بنزع سلاحه.فلهذه الجماعات أجندتها الخاصة، حسب حزب الله الذي يشرح ذلك بالتذكير إنه جرى استهداف العراق لذاته و بمعزل عن الأزمة في سوريا، وكذلك الحال بالنسبة إلى باكستان وحاليا مصر، ويشدد على ضرورة الفصل بين موضوعي مشاركة حزب الله في القتال الدائر في سوريا وموضوع الإرهاب، معتبرا أنهما لا يرتبطان ببعضهما.
معظم المراقبين والمتابعين باتوا على يقين بأن ما يواجهه لبنان والمنطقة فعليا هو “خطر الإرهاب”،وليس مجرد صراع بين فريقين منقسمين حول الأزمة السورية. فالمجموعات الإرهابية لا تقاتل «حزب الله»،بل تقوم بعمليات إنتحارية في عقر داره بهدف إيذاء المدنيين في البيئة الحاضنة له. ولا يبدو ان خطر هؤلاء الذي ضرب، حتى الآن، في الضاحية والهرمل،هو في طريقه الى التراجع أو الإنحسار. واذا كان استهداف التكفيريين ما زال مقتصراً،حتى الآن، على أماكن وجود الحزب ونفوذه، فإنهم تجاوزوا الحد من خلال الطلب إلى الجنود السنًة في الجيش اللبناني،ترك ما أسموه “الجيش الصليبي” الذي وضعوه في دائرة الإستهداف.ولذلك يصبح منطقيا القول،في نهاية المطاف، أن لبنان برمته مرشح للاستهداف من قبل جماعات تنظيم «القاعدة» وأخواتها من «النصرة» و«داعش» و«كتائب عزام” بغية تحويله الى عراق ثان.وهذا التحذير من الخطر التكفيري الزاحف الى لبنان، لا يندرج في سياق المبالغة أوالتهويل بل هو حكم تفرضه التجربة التكفيرية المستمدة من واقعيات حية ووقائع مشهودة.
بالرغم من ذلك، فإن خصوم الحزب في لبنان وفي مقدمتهم فريق الرابع عشر من اذار، أصروا على تجاهل هذه الحقائق،و اتخذوا من النشاط التكفيري في لبنان رافعة لمشروعهم السياسي،حيث بادروا في البداية الى نفي وجود تنظيم «القاعدة» في لبنان ،ونراهم اليوم وبعد كل عملية تفجير يغطون عمل المجموعات التكفيرية عبر خلق مسوغات تبريرية لهذا الفعل من خلال وضعه في سياق ردة الفعل على تدخل «حزب الله» العسكري في سوريا. وبالتالي، اظهار القتل التكفيري خارج عبثيته وربطه وظيفيا في اطار الضغط على الحزب لاجباره على الانسحاب من سوريا.
هكذا،وبمقابل العقل البارد الذي تعاملت به قيادة حزب الله مع هذه الأعمال المدمرة والمميتة،فإن البعض في فريق 14 آذار ورموز تيار المستقبل بدوا،من خلال تصريحاتهم النارية والتحريضية،كمن يحاول تدفيع حزب الله ثمن مشاركته في الحرب السورية،حتى لو تمثل ذلك بنقل الحرب إلى الداخل اللبناني.
ولذلك شعر جميع المراقبين أنه سيكون مستحيلا تشكيل حكومة تضم أفرقاء على هذا القدر من التضاد.في ظل هذه الأجواء، ساد إنطباع بأن النجاح في تأليف الحكومة مرده الى وجود إرادة خارجية وداخلية تدفع في اتجاه تثبيت الاستقرار اللبناني وتحصينه وإبعاده عن تداعيات الأزمة السورية الأمنية والإنسانية.فحسب أصحاب هذا الرأي فإن هذا التأليف لا ينفصل عن مسارات الوضع الاقليمي الذي يتحكم بكل مفاصل السياسة اللبنانية.فهل يعني نجاح التأليف،أن لبنان اجتاز الأخطار المهددة لإستقراره؟ من حيث المبدأ،لا يزال الخلاف الإقليمي والدولي قائما حول العديد من الملفات وابرزها ملف الأزمة السورية، والملف النووي الايراني مروراً بالملف الفلسطيني الاسرائيلي.ومعنى ذلك أن الوضع الاقليمي لا يزال مفتوحاً على اشتباك كبير، وهو قابل للاحتدام، خاصة بين الرياض وطهران، برغم كل التعبيرات اللفظية المهادنة.. فعلى الأقل، لا تزال القيادة السعودية تردد أنها لن تقبل بأقل من الحصول على التزام واضح بأن لا يترشح الرئيس السوري لولاية رئاسية جديدة في الصيف المقبل بينما يريد الايرانيون والروس عكس ذلك.بالمقابل فإن الجهود لتجاوز الخلافات ألإقليمية تستمر وبزخم كبير حسب مصادر دبلوماسية عربية تؤكد أن الخطوط مفتوحة بين الجميع وأن الضجيج العالي لا يجب أن يخفي أولوية المصالح بالنسبة للجميع.وبحسب هذا المصدر يمكن اعتبار تأليف الحكومة اللبنانية بمثابة “أول مصافحة بالأيدي” بين طهران والرياض،ويجب إنتظار ما يتبعها.
فهل جاء اعطاء وزراء 14 اذار حقائب أساسية وحساسة،متصلة بمحاربة الإرهاب، مثل وزارة الداخلية والعدل والاتصالات،في سياق تفاهم أعمق على انخراط هذا الفريق،حقيقة،في هذه المعركة؟
الايام المقبلة كفيلة في تظهير جدية التصدي لمشروع الارهاب من قبل حكومة “المصلحة الوطنية”.وفي ذلك إشارة ذات معنى عن مآل الأمور إقليميا.
*صحفية وناشطة لبنانيه