نما الاقتصاد المصري بمعدلات متزايدة خلال السنوات الماضية، مدفوعًا بالاستثمارات الحكومية الضخمة، وخطط الإصلاح الاقتصادي الصارمة.
وأعلنت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، نهاية الشهر الماضي، نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.3 % في السنة المالية 2017/ 2018 المنتهية في 30 يونيو الماضي، مسجلا أعلى معدل نمو سنوي في عشر سنوات، وبفارق واضح (4.2 %) عن معدل النمو في العام السابق (2016/ 2017)
ولكن هذا النمو يختلف عن النمو المُتحقق في سنوات ما قبل الإصلاح الاقتصادي، حيث يعتمد بشكل واضح على نمو قطاع التشييد والبناء، كما يعتمد على نمو الاستثمارات وصافي الصادرات وليس الاستهلاك.
ومثّل الاستثمار وصافي الصادرات 74% من النمو عن العام المالي (2017/ 2018) بينما استحوذ الاستهلاك والإنفاق الحكومي على الـ26% الباقية من النمو، وهذا على عكس التقسيم التقليدي لنمو الاقتصاد المصري، حيث كان الاستهلاك يستحوذ على ما بين 80% و90% من النمو كل عام.
ولكن قرارات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة منذ 2016 أضعفت القوى الشرائية للمواطنين، ما أبطأ نمو الاستهلاك، فبلوغ معدل التضخم حاجز الـ35% في منتصف 2017 كان كفيلا بإيقاف أي نمو في استهلاك المواطنين.
أما فيما يخص الإنفاق الحكومي فالدولة ملتزمة بخطط إصلاح تقشفية، تستقر فيها المرتبات وينخفض الدعم، ما أدى إلى انحسار مساهمة الإنفاق الحكومي.
وانخفض العجز الكلي للموازنة لأقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2017/ 2018 للمرة الأولى منذ عام 2011، كما تم تحقيق فائض أولي للمرة الأولى في 15 عامًا بنحو أربعة مليارات جنيه.
ولا يشمل الحساب الأولي للميزانية مدفوعات الديون.
وهكذا أصبح المتنفس الباقي للنمو هو الاستثمار، وخاصة الاستثمار العام، فصافي الاستثمار الأجنبي تراجع خلال الفترة الماضية، والاستثمار الخاص المحلي ليس في أفضل حالاته، ولكن الدولة تنفق بمعدلات جيدة على مشروعات الإسكان والبنية التحتية، من موازنات جهات لا تحمل الموازنة العامة عبئها.
ويرى الدكتور أحمد الصفتي، المدير الإداري لـ “مركز دلتا للأبحاث”، أن اعتماد النمو على قطاع التشييد والبناء وحركة الاستثمارات العامة، أمر جيد، ولكنه يفتقد للاستدامة، حيث يحتاج الاقتصاد حتى يحقق استمرارية النمو لفترات طويلة، أن تتنوع القطاعات القائدة للنمو، بين الصناعات التحويلية والسياحة والزراعة.
كما أن ضمانة النمو في مصر كبر حجم السوق، لذلك من المهم لاستدامة النمو أن يتم دعم القوى الشرائية للمواطنين.
ولكن المدير الإداري لـ “مركز دلتا للأبحاث” يفسر الوضع الحالي بأنه مرحلة انتقالية منطقية بعد هذا الكم من القرارات الاقتصادية، التي ستحتاج وقتا حتى يستفيد الاقتصاد منها بالكامل، بعدها سيزيد تنوع الاقتصاد، ويُقاد النمو بقطاعات مختلفة.