بجسد نحيل وإبتسامة بلا أسنان تقف الحاجه نادية عباس بأعوامها الخمسة والخمسين وسط “الغيط” لتزرع خضروات نجمل بها موائدنا.
ساعات طويلة منذ الثامنة صباحا وحتى غروب الشمس تقفها نادية محنية الظهر لتزرع وتسقي” شبت، خس، جرجير، باذنجان، بقدونس..مقابل 30 جنيها فقط.
“ربيت 3 أولاد وزوجتهم وبقيت معي الفتاة تنتظر نصيبها، آتي إلى الأرض كل يوم مع زوجي لأنه رجل مسن ولا يستطيع العمل وحده، لكننا سوياً نستطيع أن نسند بعضنا البعض، فليس لنا سوى بعضنا، نتقاسم الشقاء ولقمة الغداء معاً”
تزوج الأولاد وتركوا المسنين تحت الشمس يسعون لكسب لقمة العيش، تقول نادية:” الحمدلله، نعيش بما يقسمه الله لنا نشتري بيوميتنا ماتيسر، يوم لحم ويوم جبن، فنحن أفضل من غيرنا على الأقل نملك صحتنا، قوت يومنا، فنحن فلاحين منذ ولدنا وسنموت فلاحين ربما نموت ونحن نعمل تحت الشمس، هذا أفضل من أن نموت مرضى على الفراش”.
تصوير محمد سامي نجم
في وقت الضهيرة تستريح الحاجة نادية وزوجها الحاج محمد أمام ماتور المياه، يفترشون الأرض ومن خير الأرض بعض الطماطم والخيار وجبن قديم”مش”، استراحة عمل يستجمعون بها قوتهم ليعودون للأرض والشمس يزرعون لنا خضرواتنا.
لم تتمن أو تطلب الحاجة نادية شيئا من الدنيا فقط الصحة لتستطيع العمل مع زوجها.
ينتهي يومها في أرض لتترك نادية زوجها يكمل عمله وتذهب لبيتها في قرية ناهيا لتعد مائدة العشاء لزوجها وابنتها، وتدخر ما تبقى من اليومية لجهاز ابنتها”.
أم مسلم، الحاجة فوزية الحسين، على باب الله تبيع “فطير ومش ” وتجهز الخضروات للمحشي والطبخ، لتعدي سيدتي العاملة أطباقك الشهية بنصف المجهود.
بمنطقة كوبري القبة تجلس أم مسلم الأم لخمسة أولاد، تبيع ما تبيعه للمارة ممن يريدون توفير الوقت والجهد، توفره لهم أم مسلم بجلوسها تجهز الباذنجان والفلفل الكوسة للطبخ، لم يجعلها أعوامها الخمسين تعتمد على أولادها الاربعة الذين تزوجوا، بل تجهيز ابنتها الخامسة كان خير دافع على استمرارها بمضاعفة الجهد وإطالة وقت جلوسها في الشارع لبيع كل ما لديها من بضاعة.
رغم أنها تجاوزت الخمسين من العمر إلا أن ابتسامتها وعزيمتها تعكس شباب العشرينات، أحلامها البسيطة بأن تزوج بنتها الخامسة، لتتفرغ هي لنفسها وتقلل ضغط الشغل، ستعمل وقت أقصر لتكسب فقط ما يكفيها ، فشريك عمرها مات وتركها وحيدة.
أم عبده عمدة منطقة عشش مصر القديمة تكرس وقتها لخدمة منطقتها رغم ضيق الحال، وأطفالها الصغار” عبد الرحمن ومحمود” إلا إنها تقوم برعاية ما يقرب من أربعة مناطق عشوائية داخل منطقة مصر القديمة.
تقول رشا عبد الرحمن 33 عاما:” ولدت وجدت أبي عضوا بمنظمة “بلان الدولية” التي تسعى لمساعدة الفقراء، فكبرت وكنت مساعدته وأنا لم أتجاوز 14 عام، وبعد أنتهاء عمل المنظمة بمصر أكملت مع أبي العمل لصالح الناس بمنطقة مصر القديمة حيث كنت دليل الجمعيات الخيرية للأسر المحتاجة.
رشا تعرف كل بيت في عشوائيات مصر القديمة، ما يحتاجة وما يريده، وبالفعل بجمد الله أستطيع بمساعدة أهل الخير وتلبية بعض أحتياجات أهالي المنطقة، حتى بعد وفاة والدي”.
بمنطقة “كوم غراب” بمصر القديمة يوجد العشرات من الحالات الإنسانية التي تساعدها رشا عمدتهم، كل ما يملكه زوجها مكتبة صغيرة أمام مجمع مدارس بمصر القديمة.
تخرج كل يوم صباحاً بساندوتشات الفول لعم سيد الرجل المسن، وبعض العصير لعفاف المريضة.
تتصل يومياً بعشرات الجمعيات الخيرية تحاول حل أزمة هذا ومعالجة ذاك، دون كلل ودون تعب.
عم سيد أحد أغنياء مصر القديمة الذي انقلبت علية الحياة لينتهي به الأمر في غرفة آيلة للسقوط بكوم غراب، يعيش على ما تقدمة له رشا عبد الرحمن ومساعدات أهل الخير، يسمي أم عبد رحمن بأبو تريكة، لأنه يراها تحمل الخير والسعادة لمن حولها مثل ما يفعلة أبو تريكة لجماهيره.
أما زوجها ماهر الذي لا يراها كثيراً بسبب انشغالها بمشاكل الناس، إلا أنه يقدر ويعرف قيمة ما تفعلة للناس، ويرى أنها مصطفاة من الله لخدمة هؤلاء الناس.
أم محمد تقف صباحاً أمام موقد بوتاجاز بعين واحدة، تعد الطعمية والفول لأهل المنطقة بمصر القديمة، تقول أم محمد:” لدي خمسة من الأولاد جميعهم في المدارس أكبرهم محمد في المرحلة الثانوية، ليس بينهم من هو فاشل أو لص، جميعهم شباب أتباهى بهم”.
من صنع الطعمية ربت أم محمد أولادها الخمسة تغلبت على الفقر عندما قصدت إحدى الجمعيات الخيرية بعد وفاة زوجها لتطلب منهم أن يساعدوها في عمل مشروع لتستطيع تربية أولادها، وكان ذلك المشروع “رخامة وسقف من الجريد” تبيع تحتهم الطعمية التي تدقها على يدها دون آلات ودون تكنولوجيا تهون عليها تعب اليوم.
بعض الجنيهات التي تكسبها أم محمد كانت مطمع للصوص المنطقة حيث خرجوا وطعنوا ابنها الذي كان يدافع عنها وجعلوا منه معاقا بعد أن فقد السيطرة على يده المطعونة وأصبحت عاجزة، هذا ماجعل أم محمد تعود مرة أخرى للبحث عن من يساعدها في علاج ابنها المتفوق في دراستة والتي طالما حلمت أن يكون فخرا لها وأن يكون عونها وعون إخوته الأصغر منه.
المصدر – قل