“معضلة السجينين” هي لعبة إحصائية تتضمن متهمين، لا يملك المحقق أدلةً كافية على أي منهما لإثبات الجرم، والخيارات المتاحة أمام كل متهم أثناء التحقيق هي: إما أن يشهد على المتهم الآخر أمام القاضي، أو أن يلتزم الصمت.
في حال آثر المتهمان الصمت، لا تستطيع المحكمة إثبات التهمة على أي منهما، ويحصلان على البراءة، أما لو شهد أحد المتهمين على صاحبه، يخرج الشاهد دون حكم ويُحكم على الآخر بالسجن عشر سنوات، وإذا اختار كلا المتهمين أن يشهد على الآخر، يُحكم على الاثنين بخمس سنوات من السجن. كلا المتهمين لا يعلم بقرار الآخر أثناء التحقيق معه.
هذه النظرية هي أساس تعاسة العاملين بشركات ما يُطلق عليه الاقتصاد التشاركي، حيث تمتلك الشركة كل البيانات، بينما لا يعرف العاملون إلا قدر محدود من المعلومات، ويظنوا جميعا أنهم يديرون مشاريعهم الخاص، سيارة أو مهارة أو غرفة خالية للإيجار، لذا يتنافسوا على تقديم أفضل ما عندهم للسيطرة على فرص منافسيهم من العاملين تحت سيطرة نفس الشركات، دون الحصول على ما يستحقونه من مكاسب، بينما لو توفرت لديهم معلومات كافية عن ظروف السوق ومكاسب الشركات، فإنهم يستطيعون تنظيم أنفسهم والحصول على حقوق أكثر، وربما يحلون محل الشركة ذات نفسها.
نفس الأمر ينطبق على وكلاء الفرنشايز وغيرها من المهن، ولكن الحل لهذه الأزمة ظهر منذ 10 سنوات تحت اسم “سلسلة الكتل “Blockchain.
تقنية سلسلة الكتل Blockchain، هي أسلوب جديد لتنظيم البيانات يقوم على الحفاظ على سجلات بيانات مقاومة للتلاعب، لأنها تُسجل عند كل المتصلين بالشبكة، وخلافا لأنظمة التجارة التقليدية، لا حاجة لوسيط، بل تقوم كل الجهات بالتعامل مباشرة مع بعضها البعض.
وتبنت العديد من البنوك والمؤسسات المالية تقنية بلوك تشين المُعتمدة في العملة الافتراضية “بيتكوين”.
على عكس حركة العالم تماما لا يسمح القانون المصري بتقديم خدمات تحويل الأموال خارج الجهاز المصرفي، ولا يغطي العمليات المالية الصغيرة، في دولة يسيطر القطاع غير الرسمي على اقتصادها.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، يبلغ عدد الحسابات البنكية في مصر 14 مليون حساب، بينما يبلغ عدد البالغين أكثر من 55 مليون شخص، ما يعني أن هناك مساحة جيدة لتحرك “البلوك تشين” إذا ما تم فتح الباب له.
وفي استطلاع أجراه بنك الاستثمار “هيرميس” منذ أيام، وشمل 990 شخص يمثلون 255 مؤسسة مالية عالمية، وكبار مسؤولي 173 شركة رائدة من 26 دولة عبر الأسواق الناشئة والمبتدئة، اعتبر 60% من المشاركين أن تكنولوجيا الـ”بلوك تشين” تمثل خطرا على الصيرفة التقليدية، بينما اعتبر 40% أنه نمط عابر.
إن مميزات العلاقات الاقتصادية عبر “البلوك تشين” لا يمكن تجاهلها، فهي أكثر أمانا وسهولة، وتتيح المعلومات للجميع ما يعني فرص أفضل للتنظيم وعدالة التوزيع، ولكنها تبقى خطرا على الجهاز المصرفي، ركن الزاوية في الاقتصاد العالمي، لذا من المتوقع أن تستوعب البنوك العالمية هذا الحراك العالمي وتطور نفسها حتى تُشكل مزيجا من التراث المصرفي والتطبيقات الحديثة، ونتمنى أن يلحق الجهاز المصرفي المصري بهذا التحول سريعا بدلا من التمسك بحماية نفسه على حساب حركة التطور.