يبدو أن سعد زغلول كان مستشرفاً جيداً جداً للمستقبل حين قال لزوجته يوم 23 أغسطس 1927 عبارته الخالدة “مفيش فايدة”.
وهى العبارة التى رددها الكثير منا خلال الساعات الماضية وهم يتابعون مهزلة أمناء الشرطة فى الشرقية.
هؤلاء الأمناء الذين أغلقوا أقسام الشرطة فى المحافظة وتوجهوا إلى مديرية الأمن وقاموا باقتحامها لتنفيذ مطالبهم المالية !!!!!!
ولا يعنينى التحدث عن هذه المطالب أيا كانت ولا يهمنى أصلاً مناقشة أحقيتهم فيها .. فهى مهما علت لا تعدو إلا أن تكون مجرد مطالب فئوية محدودة لا تهم ولا تعنى إلا أصحابها أيا كان عددهم وأيا كانت وظفيتهم !!
مطالب فئوية يرفعها جنود فى الوقت الذى يتساقط فيه زملاءههم الشهداء فى سيناء وفى كل محافظات مصر فى حرب ضد إرهاب غادر يهدف لإسقاط الدولة وهدمها .. وهم لا يفكرون إلا فى زيادة بدل أو رفع حافز !!
مطالب فئوية أعادت إلى ذهنى – أنا على الأقل – تلك الحقبة السوداء التى عاشتها مصر بعد 25 يناير والتى كانت المظاهرات لتحقيق مطالب فئوية مماثلة هى العامل المشترك فى كل مكان.
ضغوط – بحق وبغير حق – لانتزاع أموال من دولة تعانى واقتصادها يحتضر .. ولكن فلتذهب الدولة إلى الجحيم .. بل يذهب العالم أجمع وكل من فيه إلى الجحيم .. المهم هو مصلحتى الشخصية !!
فكر فاسد يترجمه بكل دقة مثل شعبى شهير ذاع صيته بعد يناير 2011 .. مثل لا أجد الكلمات لوصف دناءته وانحطاطه “لو خرب بيت أبوك .. اجرى خد لك منه قالب”.
مثل يعكس الأنانية المفرطة وعدم التفكير إلا فى الذات دون مراعاة لعرف أو ظرف أو مصلحة عامة.
ما فعله أمناء الشرطة فى الشرقية وفى هذا التوقيت تحديدا هو عدو لانتزاع قالب !!
وتزامنت حادثة أمناء الشرطة أيضا مع تعليقات امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعى تسخر من الدعوة التى أطلقها وزير الآثار ممدوح الدماطى أمس الأحد لجمع 16 مليون جنيه استرلينى أى ما يعادل 195 مليون جنيه مصرى لاستعادة تمثال “سخم كا” الشهير الذى باعه المجلس المحلى لمدينة نورثهمبتون البريطانية للاستفادة من ثمنه لتوسعه متحف المدينة !!
دعوة محترمة – رغم كونها جاءت متأخرة مثل جميع تصرفاتنا – لكن بدلاً من أن ندعمها ونؤيدها لنستيعد تراثنا وتاريخنا وحضارتنا أو على الأقل نمنع أن يذهب تاريخنا لسيدة قطرية مجهولة .. نسخر منها ونستنكرها ونعتبر أن التمثال الذى يعود تاريخه لأكثر من 4200 عام هو مجرد حجارة لا قيمة لها .. والأهم والأجدى – حسبما يرى الساخرون – أن نستخدم تلك الأموال فى رفع مرتبات العاملين فى الدولة وخاصة وزارة الآثار.
وكأن تاريخ مصر وحضارتها وآثارها التى تباع فى المزاد مثل العجول والماشية أصبحت بلا قيمة.
ومرة أخرى يظهر القالب الذى يجب أن نجرى لنخطفه .. تظهر المصلحة الشخصية والنظرة الأنانية الضيقة التى لا ترى إلا نفسها وصاحبها دونما أى شىء آخر.
الغريب فى الأمر أن أصحاب هذه النظرة يملكون جراءة – أحسدهم عليها – فى الدفاع عن وجهة نظرهم التى لا استطيع استيعابها أو حتى مجرد التفكير فيها باستخدام عبارات من عينة ” إيييييييييييية مصلحتى وبدور عليها .. وأنا اتظلمت كتير وآن الأوان آخد حقى تالت ومتلت وحق السنين اللى فاتت كلها .. وإن مكنتش حاخد حقى دلوقتى حأخده امتى .. وأنا مالى ومال ” … ” متولع ولا تتحرق حتى.. المهم أنا ومصلحتى وبس”.
لا أدعى المثالية أو أنى لا أهتم بمصلحتى الشخصية .. لكن هناك فرق شاسع بين أن أفكر فيها فقط وأن أفكر فيها إلى جانب أمور أخرى كالمصلحة العامة للمكان الذى أعمل فيه والبلد التى أعيش على أرضها وأولئك الذين سيتضررون بأفعالى سواء بشكل مباشر أو حتى بشكل غير مباشر.
فارق كبير بين أن أفكر فى نفسى وأقول “أنا ومن بعدى الطوفان” وبين أن يكون لى نظرة شاملة عامة أقدر فيها الموضوع من كافة جوانبه وتوقيته وطريقة تعاملى معه.
أعرف مسبقًا أن البعض قد يسخر منى ومن طريقة تفكيرى ولا يجدها مقنعة .. وربما لن يجد هؤلاء الوقت أصلاً للتفكير فيما أقول لأنهم سيكونوا مشغولين بأن يجروا وبأقصى سرعة للحصول على قالبهم حتى لا يضيع عليهم أو يأخذه غيرهم !!