تحتفل أغلب دول العالم في الأول من مايو من كل عام بعيد العمال، وفي بعض البلدان يكون عطلة رسمية كما هو الحال فى مصر.
ويعود عيد العمال فى أصله إلى عام 1869 حيث شكل عمال صناعة الملابس بفيلادلفيا في أمريكا ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم منظمة “فرسان العمل” كتنظيم نقابي يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل.
وجاء أول مايو عام 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ أمريكا حيث وصل عدد الإضرابات التي أعلنت فى هذا اليوم نحو خمسة آلاف إضراب واشترك في المظاهرات 340 ألف عامل ويحملون شعارهو “من اليوم ليس على أى عامل أن يعمل أكثر من 8 ساعات”.وفى مدينة شيكاجو احتفل العمال وتظاهروا في أول مايو لتخفيض ساعات العمل وكان شعارهم “ثماني ساعات للعمل – ثماني ساعات راحة – ثماني ساعات للنوم”.
وفي أوروبا، تم الدعوة إلى المؤتمر التحضيري لما أصبح فيما بعد الأممية الاشتراكية الثانية في 1889 لمظاهرات متزامنة في المدن الأوروبية يوم الأول من مايو 1890 من أجل المطالبة بقانون يحدد ساعات العمل إلى ثمانية ساعات.
وكان قرارا قد أصدر من قبل الجناح اليساري الماركسي في باريس في يوليو 1881 بمناسبة العيد المئوي للثورة الفرنسية ودعا القرار لمظاهرات عمالية أممية في نفس اليوم وبنفس المطالب لقانون الثماني ساعات، وبما أن اتحاد العمل الأمريكي كان قد قرر مسبقا أن ينظم مظاهرات مشابهة في الأول من مايو 1890 تم اختيار نفس اليوم للتظاهر في أوروبا ولكن الذى حدث في مظاهرات أول مايو 1890 فاق كل التوقعات.
وقد كان أحد أسباب ذلك هو التوقيت من الناحية السياسية فقد تزامنت تلك اللحظة السياسية مع انتصارات هامة للحركة العمالية وتقدم كبير في وعي وثقة الطبقات العاملة الأوروبية.
ففي بريطانيا تشكلت موجة جديدة من النقابات إثر الإضراب الضخم لعمال الموانئ فى 1889 وفي ألمانيا حقق الاشتراكيون مكسبا هاما حين رفض البرلمان الألماني في نفس العام الإبقاء على قوانين “بيز مارك” المناهضة للاشتراكية واستطاع الحزب أن يضاعف من أصواته في الانتخابات العامة واستطاع أن ينال أكثر من 20 % من مجموع الأصوات.
وفي بلد تلو الأخرى أخذت الحكومات البرجوازية تحول احتفال الأول من مايو يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم استيعاب وتعاون طبقي.
تشارلي شابلن والاضطرابات العمالية:
في أوائل القرن العشرين، كان الممثل الكوميدي الإنجليزي ومخرج الأفلام الصامتة تشارلي تشابلن الفنان الأكثر شعبية في تلك الفترة بل ومن الأغنياء أيضا، وعلى الرغم من ذلك ظل فنان الشعب ومؤرخ للصراع الطبقي.
لقد كانت أفلامه بمثابة انعكاس للقضايا الإجتماعية في ذلك الوقت، من الفقر والبطالة والاضطرابات العمالية والحرب، فضلا عن عدم المساواة والهجرة، ولكن في إطار دقيق وكوميدي.
وكان فيلم الصعلوك الذي انطلق خلال فترة الأفلام الصامتة بمثابة شخصية عالمية وانعاكسا لنضال العمال في تلك الفترة، وتشبع هذا الفيلم بالنقد السياسي والاجتماعي، إلا أن تشابلن تقاعد عن تأدية هذا الدور رسميا بعد فيلم العصور الحديثة في فبراير 1936.
مصر عرفت منذ 91 عاما أول احتفال بعيد العمال:
وفي مصر، يرجع وجود الحركة العمالية المصرية إلى عهود سحيقة فى التاريخ فمنذ القدم قامت حضارة وادى النيل على تقديس العمل وتكريم العمال.. وما كان للمصريين القدماء أن يتوصلوا الى الإنجازات التى حققوها فى مجالات العمارة والهندسة والزراعة والصناعة والتعدين والرسم والنحت، ما لم تكن حركتهم الجماعية قائمة على تنظيم محكم ودقيق، ومبادئ عادلة تحكم العلاقات بين مختلف القوى الاجتماعية، وتتيح لها أن تعبر عن الطاقات الخلاقة الكامنة فى إطار من الموضوعية والحرية.
وقد استحدث المجتمع المصري القديم نظام العطلة الأسبوعية، وقنن الحقوق العمالية على أساس التضامن الاجتماعي البعيد عن التناقض والصراع، وعرف نظام المدن والتجمعات العمالية حيث تم اكتشاف ثلاث مدن عمالية تم بناؤها منذ حوالي خمسة آلاف عام.
ومع تعاقب مراحل التاريخ، عرفت الحركة العمالية فى مصر “نظام الطوائف” الذى يرجع الى العصور الوسطى ليضم فئات الصناع والحرفيين، خاصة فى عهد الإمبراطورية الرومانية الذى خضعت له مصر مدة طويلة.
و”الطائفة” تطلق على مجموعة من الناس يعملون فى حرفة واحدة، يرأسها “شيخ” يتولى شئونها. وكان “لمشايخ الطوائف” – (نواب) ووكلاء – يعرفون باسم «النقباء» يختارهم حكام المدن التى يقيمون بها.
وكان “الشيخ” يقوم بوظائف كبيرة الأهمية، فهو الذي يفصل فى المنازعات التى تنشأ بين أفراد الطائفة. ويحدد أثمان المنتجات، ويرتب درجات الأجور، ويسمح بدخول أعضاء جدد، ويرشد إلى كيفية تنفيذ العقود، ويجمع الرسوم والضرائب المقررة على أفراد الطائفة.
وقد ظل هذا النظام ساريا إلى بداية عام 1890 – حين صدر قانون الباتينه فى يناير 1890 – والذى أنهى التعامل بنظام الطوائف.
وبصدور هذا القانون وإلغاء نظام الطوائف كان بداية ظهور التنظيمات النقابية للعمال، والتى تمخضت عن تشكيل نقابة عمال السجاير فى مصر عام 1898 كأول نقابة مصرية ولدت فى أعقاب إضراب ناجح حدث فى نهاية ذلك العام وانتهى فى فبراير 1900 .
وكان هناك تراثا عماليا مستقلا للاحتفال بعيد العمال بدأ في عام 1924 حيث نظم عمال الإسكندرية احتفالا كبيرا في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ثم ساروا في مظاهرة ضخمة حتى وصلت إلى سينما “باريتيه” حيث عقد مؤتمرا ألقيت فيه الخطب.
ثم صدر أول قانون يعترف بالنقابات فى مصر فى سبتمبر 1942 وهو القانون رقم 85 لسنة 1942.
وكانت النقابات فى مصر نقابات منشآت حيث حرم القانون التنظيم النقابى للعاملين بالحكومة وعمال الزراعة.
وفى عام 1959 تم إلغاء نقابات المنشآت، والأخذ بنظام النقابة العامة على مستوى الصناعة – وهو النظام الحالى – الذى يقضى بتصنيف الصناعات والأنشطة الاقتصادية التى يمكن للعاملين بها تكوين (نقابة عامة) – إلى 23 نقابة عامة .. على رأسها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. وذلك بمقتضى القانون المنظم للنقابات العمالية فى مصر – رقم 35 لسنة 1976 – المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1981، وبالقانون رقم 12 لسنة 1995.
واهتم الملك فاروق في عهده بالعمال، حيث قام بزيارة مصانع المحلة الكبرى وافتتاح مصنع الغزل والنسيج في يوليه 1944، وزيارته لنادى العمال والتبرع بأالف جنية وأثناء الزيارة دعا بعض العمال للجلوس معه على مائدة لاستكمال الحديث ، ثم امر بركوب نقيب العمال معه في طريقه لزيارة نادى العمال.
كما افتتح دار فاروق الأول لرعاية أطفال العمال بالمحله الكبرى عام 1948.
ونظرا لاهتمامه البالغ بالعمال كان دائما ما يقوم بدعوتهم لقضاء عيد ميلاده بينهم متفقدا أحوالهم وشئونهم.
في عام 1964 قرر عبد الناصر اعتبار أول مايو اجازة رسمية:
ومع وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة والتأميم التدريجي للحركة العمالية أخذت المناسبة شكلا رسميا وتم استيعاب المناسبة، وفي عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يلقى فيها رئيس الجمهورية خطابا سياسيا أمام القيادات هؤلاء النقابيين.
وكانت جملة “المنحة ياريس” الجملة التي اعتدنا أن نسمعها من بين صفوف العمال خلال احتفالية عيد العمال التي كانت تقام منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فبينما يكون الرئيس مندمجاً في إلقاء كلمته عليهم، يقاطعه صوت أحدهم مناديا ” المنحة يا ريس” .
فعلى مدار السنوات الماضية، ارتبط أول ما يو لدى العمال بفكرة صرف منحة يقرها رئيس الجمهورية كهدية لهم في عيدهم، والتي بدأت منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر عقب ثورة 23 يوليو.
وبعد تولي الرئيس الراحل أنور السادات الحكم، كان العاملون ينتظرون أيضا بشغف خطابه وزيارته للمصانع وصرف المنحة والتي وإن كانت قليلة إلا أن لها قيمة هامة عند العمال تمنحهم شعورا بالتميز والحماس لزيادة العمل والإنتاج.
أما في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك توسع الاحتفال بعيد العمال فأصبح يحضره عدد كبير من رجال الدولة والوزراء ويتم خلاله تكريم قدامة العاملين، وعندما يطلق أحدهم جملته الشهيرة ” المنحة يا ريس” كان يرد عليهم ضاحكاً ويستكمل خطابه، مما يدفع العمال إلى التصفيق والتهليل منادين بصرفها، كمحاولة لتشجيع الرئيس على إقرار المنحة لهم، حتى يصدر قراره.
وفي يومنا هذا، وخلال احتفال الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بعيد العمال للمرة الأولى منذ انتخابه، حرص أن يكون خطابه غير مكتوب كما فعل أسلافه، حيث أكد فيه على أهمية العمل، كما تناول خطابه ” التأكيد على أهمية الاعتماد على العمالة المصرية في تنفيذ مختلف المشروعات بالمرحلة الحالية في مختلف مجالات البنية الأساسية والزراعة والإسكان والطاقة وتشغيل المصانع، منوها إلى أهمية ضغط الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ جميع هذه المشروعات، وكلف سيادته المحافظين بمتابعة الأعمال والمشروعات التي يتم تنفيذها في المحافظات المختلفة بشكل يومي للوقوف على حجم العمل الذي يتم إنجازه”.