الاقدار وحدها هي التي جمعت بين قصر شامبليون العالم الفرنسي الذي استطاع فك رموز حجر رشيد، وبين محل أبو طارق للكشري الذي يقع في قلب شارع شامبليون، المزدحم بمحال بيع قطع غيار السيارات وورش إصلاح السيارات.
الذهاب الى أبو طارق ليس بالامر الهين، بدءا من البحث عن مكان كي تترك فيه سيارتك وانتهاء بالعثور على مائدة تجلس وتتناول عليها طبقا من الكشري المصري اللذيذ. فالمكان شديد الازدحام، على الرغم من أن المطعم يتكون من ثلاثة طوابق.
وراء كل هذا قصة كفاح لصاحب المحل الحاج يوسف زكي، الشهير باسم «أبو طارق» عمر هذه القصة 57 عاما، حيث بدأ عم يوسف مشواره منذ عام 1950، بعد أن ورث مهنة وعربة صناعة الكشري عن والده، الذي كان يعمل على عربة يد صغيرة يتنقل بها في وسط القاهرة لبيع الكشري. وظل يوسف يعمل على عربة اليد هذه الى أن نجح في إدخار مبلغ من المال دفعه لمشاركة أحد معارفه في شراء مقهى كان في مكان المحل الموجود الآن، ولم يفكر الشريكان في تغيير نشاط المقهى حتى مات شريك عم يوسف، الذي سارع الى ورثة شريكه واشترى منهم نصف المقهى، وحول نشاطه لمحل لبيع الكشري، معتمدا على خبرته في هذا المجال، ويوما وراء الاخر كان عم يوسف يثبت مكانته في سوق الكشري في مصر، الى أن نجح في شراء العقار، الذي يقع في أسفله المحل الذي تحول الى أكبر محل لبيع الكشري في القاهرة وبات يضم ثلاثة طوابق. الطريف أنه لم يفكر في افتتاح فروع أخرى لمحله الشهير، والسبب كما يقول عم يوسف، الذي التقيناه في محله: «أنا ما زلت حتى الآن أمارس العمل بيدي، فأنا أقوم بفتح المحل في الساعة السابعة صباحا من كل يوم وأشرف على العمال بنفسي أثناء إعدادهم مكونات الكشري للتأكد من درجة طهي كل منتج بالطريقة الصحيحة، وهو أمر لن أستطيع الوفاء به اذا ما قمت بافتتاح أكثر من فرع، مما قد يؤثر على مستوى الخدمة وهذا ما لا أقبله اطلاقا».
أبو طارق ليس مجرد محل لبيع الكشري للمصريين من البسطاء، ولكنه بات قبلة السائحين والعديد من الشخصيات المهمة والشهيرة، سواء من المصريين أو الاجانب، من أشهر زبائنه عدد من أفراد العائلات الحاكمة في الخليج ووزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط، إضافة الى عدد كبير من الفنانين، مثل المخرج الراحل يوسف شاهين، الذي كان يقع مكتبه في نهاية الشارع، الذي يقع فيه المحل واعتاد تناول الكشري عند أبوطارق، والفنان عادل إمام ومحمد هنيدي وأشرف عبد الباقي وشعبان عبد الرحيم وغيرهم الكثير. الطريف أن أبو طارق، وعلى الرغم من أهمية زبائنه في بعض الاحيان الا انه لا يقبل بحالة الطوارئ التي يفرضها وجود مثل هذه الشخصيات في الاماكن التي يذهبون اليها. حيث يفرض أبو طارق قوانينه الخاصة به على من يأتي الى محله. فلا يسمح بإخلاء المكان من الزبائن العاديين كما لا يسمح بوجود حراسات مسلحة.
وعلى عكس جميع محال بيع الكشري في مصر، يرفض أبو طارق خدمة التوصيل الى المنازل، مبررا ذلك بان الكشري في المحل له مذاق آخر كما أن بعد المسافات وزحام الشوارع في القاهرة سيؤدي الى برودة طبق الكشري، الذي يجب أن يؤكل ساخنا،الذي لا يتوقف عن التجديد، والإضافة سواء لمذاق الكشري أو في ما يتعلق بالمحل نفسه، فبعد أن افتتح العام الماضي موقعا له على الانترنت كنوع من أنواع الدعاية للمحل، وأضاف له بعض الخدمات، مثل الرسائل القصيرة والاغاني ورنات التليفون الجوال وآخر الأخبار لجذب الشباب من مختلف الاهتمامات، يخطط الآن وبالتعاون مع أحد أطباء التغذية لإعداد طبق كشري «دايت» لمتبعي نظام حمية خاص أو مرضى السكري، يحتوى على أقل قدر ممكن من السعرات الحرارية. كما يعد حاليا الطابق الرابع من المحل ليكون صالة لكبار الزوار. ومنذ الشهر الماضي أصبح أبو طارق أول محل كشري في مصر يقبل التعامل ببطاقات الائتمان «الفيزاكارد».
وفي الوقت الذي انتشرت فيه محال بيع الكشري وإعداده في كل انحاء مصر حتى انك لا تجد شارعا لا يوجد فيه محل كشري، الا أن عم يوسف لا يخشى من المنافسة، والسبب كما يقول إنه يعطى صنعته حقها ويعشقها بالقدر الكافي، ويضيف: أحرص على تقديم الجديد كل فترة لأحافظ على ثقة زبائني وأعتقد أن بقائي كواحد من أهم صناع الكشري على مدار الخمسين عاما الماضية خير دليل على ذلك.
الموقع نيوز