تحقيق أجرته : داليا فكرى
بما أن قطاع الصحة هو من أكثر القطاعات التى تهم كل بيت في مصر قام الموقع نيوز بتجربة صحفية إستكشافية نستخلص منها الحقيقة موقنين أننا نحتاج الكثير من التدريب لكى نتعلم إحترام المرضى ونزلنا إلي مستشفيات القطاع الخاص لتجربة المواد التى نص الدستورعليها في المادة رقم18 والتى تقول ” يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة ” – أى على أى مستشفي أهلى أو خاص الإلتزام بعلاج أى مريض يأتى إليها بحالة حرجة دون سؤاله عن أى رسوم أو مصاريف ولكنها تخيره بعد إستقرار حالته إذا كان يريد البقاء على نفقته الخاصة أم لا …
وبالفعل بدأنا جولتنا بزيارة مستشفي الهرم التخصصى بشارع الهرم وحتى نتأكد من تطبيق مغامرتنا الصحفيه قمت بالإتفاق مع رجل كبير في السن كان يجوب الشارع بالصدفة ولكنه كان ضعيف البنية غير مهندم الثياب تتضح على تجاعيد وجهه جميع علامات الشقاء والمرض وعند سؤال عم حسن وافق أن يقوم معى بمغامرتى ولكنه في البدء قال لي بنبرة ساخره ” إبقي قابلينى لو حد عبرنا ده إحنا يابنتى هوا بالنسيه للعالم دى نموت والا نتحرق بجاز هما مالهم , المهم محفظتك فيها كام ولا هيبصوا لدستور ولا غيره إما طردونا وجابولنا البوليس يبقي مبعرفش حاجه ” وبما أن عم حسن داهمته بالفعل نوبة قلبيه فيما قبل فكان يعلم تماما أعراضها وبالفعل إتكأ عم حسن على الرصيف أمام المستشفي وكأنه سيفقد وعيه وأخذ يتنفس بصعوبة وذراعه اليسري ثقيلة لا تتحرك وعلى الفور قامت أيدى المساعده من المواطنين الشرفاء بمساندته وعلى الرغم من أن مستشفي الهرم جوارنا إقترح الناس بأخذ تاكسي والذهاب إلي مستشفي أخر ولكنى أصريت أن نذهب لمستشفي الهرم بإعتبار أنها الأقرب ولكن بعض الموجودين أكدوا لي أنهم لن يقبلونى خاصة وأن طبيعة مظهرى تؤكد أنى فقيرة الحال فقد إرتديت عباءة بسيطة لتناسب حالة عم حسن التى يرثي لها والتى تعبر أنه لن يستطيع بأى شكل من الأشكال أن يدفع مصاريف ونفقة العلاج في تلك المستشفيات الخاصة ,, وبالفعل توجهنا نحو مستشفي الهرم بأخر شارع الهرم بالقرب من الكوبري الدائري بالمريوطية ولكن للأسف الشديد لم نستطيع حتى العبور من البوابة إلي الداخل فقد تم منعنا بشده من الأمن ولم يسمحوا لنا بالدخول فيما إقترح أحد أفراد الأمن بالتوجه إلي إحدى الجمعيات الشرعية القريبه من الطالبية ووصف لنا أخذ شارع جانبي إختصارا للوقت فيما أصر أخر على أنها مسئولية على الأمن أن يسمح لأى أحد الدخول الى المستشفي دون ان يكون مريضا يتلقي علاجا او للزيارة , وحين طلبت من الأمن أن يسمح لنا بالدخول لإسعاف الحالة فقط وان نمضي قدما فور إسعافه وإلا سيموت معللة بأن الدستور ينص على ذلك , ولكنه لم يسمح لنا وأصر أنها تعليمات لا يستطيع مخالفتها وإلا ستقع المسئولية كلها على عاتقه وهو لا حول له ولا قوة ,, وبعد المحاولات الفاشلة صرفنا نظر عن الأمر برمته ورضينا بأمرا كان مفعولا .
ولكن بعد هذا الموقف إنتابت عم حسن حالة هيستيرية من الضحك , ووقفت أنظر إليه متعجبة , حيث أن الحالة التى كانت تنتابنى هى اللإمتعاض والخزي وعندما سألته عن سبب ضحكه قال ” أصلي أنا وولادى ومراتى نزلنا صوتنا بنعم على الدستور” وما كان علينا نحن الإثنان إلا التعجب من عدم إلتفات إدارات المستشفيات إلى هذه المادة والبدء في تطبيقها , بل السؤال الأكثر أهمية هو هل سيتم تطبيق هذه المواد ومراقبة تطبيقها حتى نشعر بالتغيير أم جميع أحلامن ستظل حبرا على ورق .
التجربة الثانية بمستشفي إبن سينا التخصصي
بعد فشل المحاولة الأولى قررت أن أقوم بمحاولة أخرى لكى تتضح الحقيقة كاملة ولكن قررت أن أضيف تغييرا طفيفا في شكل وهيئة متلقي العلاج فإتفقت أنا وصديقة لى أن تقوم هى بتمثيل دور المريضة التى تنتابها حالة النوبة القلبية وبالفعل ذهبنا إلي مستشفي إبن سينا التخصصي بالدقي وأمام المستشفي وقعت صديقتى فجأة , وكانت ترتدى ثيابا متواضعه ولكنها ليست رثة مثل ثياب ” عم حسن ” وأنا أرتدى نفس العباءة البسيطة ولكن تلك المرة سرعان ما هب رجال الأمن إلي نجدتنا فور رؤية صديقتى وهى مغشي عليها بالشارع وتكاد تتنفس بصعوبة , وأحضر رجال الأمن كرسي متحرك جلست عليه صديقتى وتوجهوا بها إلي قسم الطوارئ بالمستشفي دون سؤالى عن إستمارات أو مصاريف للعلاج , ودخلت مع صديقتى غرفة العلاج وإنتظرنا .. حتى جاءت الممرضة وسألتنى ما حالتها فقلت لها لا أعرف فإنى وجدتها أمام المسشفي ولا علاقة لى بها وإستنجدت بي وهى تترنح ولم تستطيع التنفس وذراعها الأيسر لا يتحرك ثم قالت الممرضة ” ثوانى أنادى دكتور الطوارئ يكشف عليها ” وإنتظرنا … وإنتظرنا … وإنتظرنا , مرت نحو النصف ساعة ولم يأتى الدكتور فحمدت حالى أن صديقتى ليست مريضة فعليا وإلا كانت فارقت الحياة إذا كانت بالفعل تعانى من أزمة قلبية , فخرجت أنادى على الممرضة وكلى لهفة أن تسعف المريضة التى لا نعلم حالتها فدخلت الممرضة وسألتنا هل أنتِ من أهلها فقلت لها لا فقالت لابد أن تتصلي بأحد ذويها سريعا حتى نكمل إجراءات العلاج فإستعجبت وقلت لها ” وهى هتستنا لسه لما الحد ده ييجى ” لفت إنتباهى أثناء حديثي مع الممرضة قرار من إدارة المستشفي معلقا على الحائط والذي ينص على الأتى ” على السادة أطباء أقسام الطوارئ القيام بتوقيع الكشف الطبي على مرضي الطوارئ بعد قيام المريض بتسديد قيمة الكشف الطبي والإطلاع على إيصال السداد وكذلك تقديم الخدمات الطبية اللازمة للمريض بعد الإطلاع على إيصال سداد قيمة الخدمات الطبية ” ففهمت حينها لماذا أصرت الممرضة على إستدعاء أهل المريضة ,, والأدهى من ذلك أن طبيب الطوارئ جاء ليتم الكشف الطبي على الحالة ولكنه لم يكشف عليها وفور دخوله الغرفه طلب منى الإتصال بالأهل سريعا وطلب من الممرضة إستدعاء طبيب العناية المركزة لكى يري الحالة لأنه وقت إنصرافه .
وعلى الفور خرجت أنا وصديقتى التى حمدت ربها أنها خرجت سليمة لأن هذا الموقف كله كفيل برفع ضغطها وإصابتها بنوبة قلبية حقيقية بعد كل هذه المدة التى مكثناها داخل حجرة العلاج ولم يأتى أحد لنجدتها وتسائلت هل سيكون الموقف سيان إذا تم ملأ الإستمارة ودفع الرسوم مقدما , أم أن يد الإهمال داخل المستشفيات طالت وتوغلت حتى وصلت إلى مستشفيات القطاع الخاص .
هاتان التجربتان على الرغم من مكرهم إلا أنهم عكسوا الواقع المرير الذي نعيش فيه ليكون السؤال , هل سيظل حال خدماتنا الصحية هكذا بدون رقابة ؟ وهل سيأتى بالفعل علينا يوما يدخل فيه الفقير المكلوب ليتلقي العلاج بمستشفي الغنى دون تفرقه وإن كان حتى لمجرد إسعافه ؟ هل ستغير المادة 18 في الدستور الجديد طريقة ونظرة إدارات المستشفيات الخاصة تجاه المريض المعدم ؟ وهل سنجد على مستشفيات القطاع الخاص المزيد من الرقابة التى تسمح لهم بتطبيق القانون والدستور أم لا ؟ أما عن الخدمات الطبية وأسلوب التعامل والإهتمام بالمريض كإنسان لا بمحفظته فحدث ولا حرج