من جديد ومع بدء بعثة صندوق النقد الدولي مراجعتها الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، تعود إلي الأضواء الملفات التي ستقوم الحكومة بتحريكها بناء على توصيات الصندوق، من بين تلك الملفات بالطبع ملف “الطروحات الحكومية” أو إعادة هيكلة شركات القطاع العام.
ووفقا للاتفاق مع الصندوق يعتبر طرح شركات وبنوك حكومية في البورصة أحد ملامح البرنامج الاقتصادي، وأحد القرارات التي على الحكومة المصرية تنفيذها مع تطبيق البرنامج، وعلى الرغم من تأكيدات تقرير الصندوق بعد إجراء المراجعة الثانية لأداء الحكومة أكتوبر الماضي بأن مصر ملتزمة بالإعلان عن برنامج الطروحات الحكومية في نهاية يناير 2018، إلا أن الحكومة ممثلة في وزارة المالية التي تتولي الملف لم تعلن موعد بدء الطروحات حتى الآن.
تأكيدات الصندوق على أهمية ” تخفيف بصمة القطاع العام في الاقتصاد، وخاصة في قطاعي الأعمال والتجارة، لإتاحة حيز لنمو القطاع الخاص”، وهى الجملة التي جاءت أمس الأول على لسان النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون، تشير إلي أن الإسراع في عملية طرح حصص الشركات الحكومية (يبلغ عددها 23 شركة) في البورصة أمرا واجبًا.
وزارة المالية من جانبها أعلنت أنها تستهدف تحقيق حصيلة 10 مليارات جنيه من طروحات الشركات الحكومية بالبورصة خلال العام المالي الجديد 2018/2019.
الحديث عن أهمية إعادة هيكلة شركات القطاع العام لتحويلها من شركات خاسرة إلي رابحة، وإدراتها وفقا لأسس سليمة، لا خلاف عليه، لكن المخاوف بشأن تبني أدوات تتضمن خللا في إدارة برنامج الطروحات، فضلا عن توجه بعض الشركات الحكومية للمشاركة مع القطاع الخاص يعيد إلي الأذهان “خصخصة التسعينيات” التي شابها الكثير من المشكلات وشبهات الفساد.
المخاوف تأتي وسط تأكيدات من جانب خالد بدوي، وزير قطاع الأعمال العام، بأن مشاركة القطاعين العام والخاص أمر هام للغاية، وأكد الوزير في تصريحات سابقة “أنه يمكن إدارة الأصول من خلال الدخول في شراكة مع القطاع الخاص، عن طريق نموذج إسناد الإدارة والتشغيل للقطاع الخاص، مع مقاسمة الربح، موضحا أن هذه الخطوة “مش خصخصة”.
الآراء حول “برنامج الطروحات” تشهد تباينا واضحا، فالبعض يعتقد بأنه “موجة من الخصخصة فى رداء جديد”، بينما يرى آخرون أن هدف البرنامج الرئيسى بيع أصول الدولة لسد عجز الموازنة وترويض الدين العام، وبين هذا وذاك يثير موقف العمالة في الشركات الحكومية علامات استفهام عديدة بشأن ضمانات عدم الإضرار بها.
الواقع إذا يؤكد أن “قطار الخصخصة الجديد” في طريقه للانطلاق، وأن إشراك القطاع الخاص في عملية إعادة هيكلة شركات حكومية اعتادت تحقيق الخسائر قد تكون خطوة جيدة، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أهمية أخذ المخاوف المطروحة في الاعتبار، ووضع ضمانات تحول دون تكرار ما حدث في “خصخصة التسعينيات” ذات السمعة السيئة.