تتوالى التحليلات والتوقعات بشأن اقتراب موعد التدخل العسكرى الغربى فى ليبيا، وارتباط ذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشيرإلى تدخل حلف الناتو.
الأمم المتحدة كانت تتوقع تشكيل الحكومة الليبية الجديدة يوم 14 فبراير الحالى، وفى حال حدث ذلك فى هذا الموعد أو بعده، فستظهر الظروف الملائمة لبدء العملية العسكرية الناتو الثانية فى ليبيا والتى لا يعرف أحد نتائجها وإلى ماذا يمكن أن تؤدى فى كل دول شمال إفريقيا وبعض الدول الإفريقية الأخرى.
لقد جرت لقاءات كثيرة، منها العلنى ومنها السرى، حول تنفيذ تلك العمليات العسكرية الأوروأطلسية، ففى فبراير الحالى عقدت لقاءات بين وزراء دفاع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وعقدت لقاءات أخرى فى إيطاليا، إضافة إلى اللقاءات الجزئية السرية التى يشارك فيها عناصر استخباراتية وعسكرية غربية.
إن واشنطن تؤيد هذه الفكرة وتروج لها بقوة، ويعتمد البعض فى تحليلاته على التوجه الأمريكى الأوروبى بالتأكيد على أنه فى حال لم يتفق الاوروبيون والأمريكيون على عمليات عسكرية فى ليبيا، فستتحول هذه الدولة قريبا إلى المعقل الأساسى لتنظيم “داعش”. وهو الأمر الذى يثير دهشة الخبراء والمراقين المتابعين للأزمة الليبية، الذى يرون أن ليبيا قد انهارت بالفعل، وتحولت إلى معقل لداعش وغيره من المنظمات الإرهابية، وبعلم الدول الغربية واستخباراتها.
ومن ضمن الحملة الترويجية الأمريكية، فقد حذر مدير وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية الجنرال فنسنت ستيوارت من تزايد وتيرة هجمات تنظيم داعش العابرة لحدود معسكراته سعيا منه لتأجيج صراع دولى. وربط ستيوارت تحذيره بتمدد التنظيم فى أكثر من دولة عبر تأسيس فروع فى مالى وتونس والصومال وبنجلادش وإندونيسيا، بل وأكد أنه لن يندهش إذا وسع التنظيم عملياته من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى مناطق أعمق داخل مصر، مضيفا أنه فى العام الماضى ظل داعش متحصنا فى ساحات المعارك فى العراق وسوريا وتمدد على المستوى العالمى ليصل ليبيا وسيناء وأفغانستان ونيجيريا والجزائر والسعودية واليمن والقوقاز. وقال إن التنظيم “المتشدد” لا يصعد الصراع مع الغرب فحسب، أيضا مع أقليات مذهبية فى المنطقة، مؤكدا أن الشرق الأوسط يواجه الآن تحديا من أكثر الفترات خطورة ولا يمكن التنبؤ بها.
فى الحقيقة، ستكون هذه العملية هى الثانية التى تنفذها دول أعضاء فى الناتو فى ليبيا، بعد تلك التى جرت قبل 5 سنوات وأدت إلى الإطاحة بنظام القذافى ودفع ليبيا إلى حالة واسعة من الفوضى التى تزداد وتتعمق عاما بعد عام.
خلال شهر فبراير الجارى اجتمع وزراء دفاع الدول التى من المحتمل أن تشارك فى العملية الثانية، حيث اجتمعت مرتين فى كل من روما وبروكسل. وأعلنت إيطاليا بعد اللقاء الاول عن استعدادها لقيادة الحملة العسكرية الجديدة. وفى اللقاء الثانى جرى بحث موضوع صفة العملية: هل ستجرى فى إطار الناتو أو بشكل منفصل عنه؟!
الإدارة الأمريكية ترى أنه يجب على حلف الناتو التكييف مع الظروف الجديدة، ولذلك يجب توسيع حدود عملية مكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط التى تشهد ظهور مشاكل جديدة مفاجئة بشكل سريع وأن ليبيا إحدى هذه المشاكل.
اليوم توجد فى ليبيا 3 ولايات مستقلة عمليا عن بعضها البعض وهى برقة وطرابلس وفزان، إضافة إلى ولاية درنة الإسلامية، وبعض المناطق فى الجنوب الليبى التى استقلت عمليا لأسباب عرقية – طائفية بمساعدة فرنسا. ومع توسع عملية مكافحة الإرهاب فى سوريا التى تنفذها روسيا ودول الناتو وبعض الدول الإسلامية، بات الكثير من الإرهابيين المحليين يفضلون التوجه إلى ليبيا حيث المخاطر أقل والفرض أكبر لإنشاء معسكرات تدريب ونقاط تمركز محصنة.
موقع (gazita.ru) الروسى نقل عن بعض الخبراء أنه توجد ذرائع ومبررات كثيرة لبدء عملية عسكرية جديدة فى ليبيا ومن بينها التخلف والانحطاط الكامل الذى أصاب مؤسسات السلطة هناك والنمو المقلق لعدد المنظمات الإرهابية وتزايد تيارات الهجرة غير المشروعة والخارجة عن نطاق السيطرة. ولكن فى الوقت نفسه ستلقى العملية العسكرية الجديدة حاليا معارضة قوية لأن الكثيرين يعتبرونها خطرة، وفى ما رأى البعض أن الأوروبيين يدركون أن الوضع فى ليبيا أخطر بكثير بالنسبة لهم من الوضع الحالى فى سوريا، ولكنهم يخشون القيام بعمل عسكرى، رأى آخرون العملية البرية فقط يمكن أن تحسم المواجهات بين مختلف الفصائل الإرهابية.
من جهة أخرى، أفادت صحيفة The Daily Telegraph بوجود خطة تتلخص فى إرسال قوة بريطانية وإيطالية يبلغ عددها 6 آلاف شخص غالبيتهم من المستشارين والمدربين، وقالت أنه توجد فى ليبيا منذ بداية فبراير الجارى وحدة من القوات الخاصة البريطانية مهمتها التحضير لتنفيذ عملية مكافحة إرهاب كبيرة. وتميل الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات اكثر حزما لأنها تعتبر ليبيا من أهم مواقع تواجد “داعش” بعد سوريا والعراق.
ويحاول الأوروبيون استخدام التكتيك الروسى فى سوريا الذى يتلخص فى تقديم الدعم الجوى القوى للقوات البرية الموالية لحكومة وحدة وطنية، وهذا بحد ذاته يتطلب ظهور حكومة شرعية فى ليبيا وهو أمر يجرى التفاوض عليه منذ فترة بين مختلف الفصائل المتناحرة فى ليبيا ولكن بدون فائدة ملموسة إلى الآن.
أما الموقف الروسى إزاء التدخل العسكرى الغربى فى ليبيا، فقد جاء على لسان وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى وقت سابق بأن روسيا لا تخطط للانضمام إلى عملية مكافحة “داعش” فى ليبيا، لكنها تَعِد باتخاذ ذلك الموقف البنَّاء، خلال العمل فى مجلس الأمن الدولى حول ليبيا، الذى سيحدد إطار التدخل العسكرى الدولى هناك.