استيقظ الإسلامُ من نومه مبكرا، صلّى قيام الليل، وانتظر يترقب أذان الفجر، مر الوقت رتيبا، نهض من مكانه، استقر أمام مرآته، دقق النظر مليا، لم يصدق أنه يرى نفسه فى المرآة، توهم أن وجه أحد غيره هو الذى يظهر، ظن أنه فى كابوس، حاول الاستفاقة، فتيقن أنه غير نائم، أدرك الحقيقة، أصابه فزعٌ، استشعر أن الكبر أخذ منه مبلغا، وأن نضارة وجهه تبدلت شيبا، عضّ على أنامله، تملكته حسرة، بدت أنها مباغتة، كما بدا أنه قاطع النظر فى المرآة منذ فترة غير قصيرة، أدمعت عيناه، تعكر مزاجه، ذهب صفاء نفسه، الذى يعيشه فى تلك اللحظات كل ليلة، توغل الهمّ فى قلبه، حدّثها غاضبا: ما هذا الذى يحدث، هل بلغتُ من العمر عتيا، هل حان وقت رحيلى، هل صرتُ غريبا، ما هذا.. ما هذا؟ .. انطلقت من حجرته صرخة زاعقة، أزعجت من حوله.. “ما الذى جرى، أهى محنة طارئة، هل انتهى عمرى الافتراضى، هل حان وقت الرحيل، هل أحزم حقائبى وأودع تلك الدنيا؟” أسئلة وتساؤلات كثيرة، وجهها الإسلام إلى نفسه، ثم أعقبها مرددا مرات عدة : “لا إله إلا أنت سبحانك، إنى كنتُ من الظالمين”، ثم أخذته سنة من النوم، رأى خلالها إجابات على جانب من أسئلته، رأى الإسلامُ مشاهد عنف واقتتال بين مسلمين ومسلمين، رأى أبرياء يسقطون بسيف الإسلام، رأى نساء ثكلى، وأطفالا تيتموا باسم الإسلام، رأى خرابا وفوضى تعم بلاد المسلمين باسم الإسلام، رأى كسادا وكسلا وعجزا واتكالا باسم الإسلام، رأى سجالات من البذاءات بين المسلمين باسم الإسلام، رأى فجُرا وانحلالا وانتهاكا للحرمات والمحارم بين من يتحدثون باسمه ويرفعون لواءه، اطلع على أرقام وإحصائيات تكشف أن كثيرا من أتباعه أكثر فسادا وانحلالا وفحشا وابتذالا من غيرهم، أدرك أن دولا من التى تتخذه دينا لها، تتفشى فيها كل الموبقات، من زنا إلى لواط، ومن سرقة إلى قتل، ومن العصيان إلى الإلحاد، رأى مسلمين يخرجون من دين الله أفواجا، بعدما كان الكفار يدخلونه أفواجا.. لم تحتمل أعصاب الإسلام استكمال الرؤيا، سرى الغضب فى أوصاله، هب منتفضا، على أذان الفجر، توضأ مجددا، استقبل القبلة، صلى الفجر، دموعه لم تتوقف، سأل نفسه ماذا عساه أن يفعل؟ آذاه أن يكون سببا فى اقتتال الناس، رفض أن يكون مطية لأدعياء ومرجفين ومغرضين ومنافقين، لتحقيق مغانم زائلة، صرخ بأعلى صوته: ” لم آت إلى هذه الدنيا، من أجل هذا القبح، بل جئتُ من أجل الجمال، لم آت إلى هذه الدنيا، من أجل الموت، بل جئتُ من أجل الحياة، لم آت من أجل الخراب، بل جئتُ من أجل التنمية والإعمار”، ثم نظر مليا إلى مرآته مرة أخرى، وصرخ متسائلا: كيف ولماذا تتفشى كل صور الانحلال بين أتباعى، هل أنا السبب، أم هم؟ ثم فكر فقدر، وقرر أن يقدم استقالة مسببة من هذا العالم، كتب فى حيثياتها : إن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض، اتخذوه هزوا، وستارا لضلالهم وغيهم الذي هم فيه يعمهون، ولذا يريد أن يرحل إلى حيث أتى.. فسمع مناديا ينادى:” قد تبيَّنَ الرُّشد منَ الغَيِّ، فمَنْ يكفر بالطاغوت ويؤمنْ بالله، فقد استمسكَ بالعروة الوثقى لا انفصام لها”.. وهنا قرر إرجاء استقالته حتى حين.