انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الهجرة غير المنظمة فرغم مشقة هذه الهجرة وآثارها الوخيمة سواء الموت غرقا أو السجن إلا أن هناك إقبالا كبيرا من الشباب المصري على الفرار من أرض الوطن إلى المجهول وهو فرار من واقع بائس ظنه الشباب خلاص طالما ضاقت بلادهم عليهم ولم يجدوا قوت يومهم ومن هنا بات مشهد القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبي الهجرة مشهد يتكرر في مصر حيث يستقل هؤلاء الشباب بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلى ليبيا ومن هناك إلى أوروبا أو للسفر بها.
وتحتل قرية “ميت الكرماء” التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية المركز الأول بين قرى الجمهورية في الهجرة غير الشرعية والسر الحقيقى وراء تلك الهجرة لابناء القرية كما يوضح على جلال شاب يحلم بالهجرة مثل باقى أبناء القرية هي “إسرائيل” فقد بدأ عدد من شباب القرية في التسعينيات بالسفر إلى إسرائيل من أجل العمل وكسب المال بعد أن ضاق بهم الحال والرزق لعدم وجود أي أعمال لهم وألقاهم طموحهم في أحضان إسرائيل ليعملوا هناك ثم عادوا بالأموال لإنشاء شركات سياحة وصرافة وشركات هجرة شرعية وغير شرعية لتكون وجهتهم إيطاليا ويتركوا إسرائيل لتبدأ رحلة أخرى للقرية مع الطراز الإيطالي .
ويقول أحمد مصطفى آثار الهجرة لإيطاليا وإسرائيل ظهرت بوضوح على منازل أصحابها واكتسبت الطراز الأوربي خاصة الإيطالى وكثرت الفيلات والقصور والمحال الفخمة، كما اتجه الناس لشراء أراضي البناء التي ارتفعت أثمانها لتصل إلى 8 آلاف جنيه للمتر وانخفضت أسعار الأراضي الزراعية، ويوجد بالقرية نحو2500 محل تجاري ومطعم يحمل 75% منها أسماء إيطالية .
ويتحدث أهالي “ميت الكرما” الإيطالية بطلاقة الفلاحون ممن لم يهاجر أبناؤهم يسمونها لعنة إيطاليا ويصفون أصحاب القصور بأنهم طبقة الإيطاليين الجدد، فعدد سكان ميت الكرما يتعدى 200 ألف نسمة نسبة ليست قليلة منهم ما زالوا فقراء لم يمسهم اليورو ولم يدخل بيوتهم ولذا يعيش معظم هؤلاء البسطاء على حلم إيطاليا لدرجة أن الموتوسيكلات والتوك توك يرسم عليها الشباب العلم الإيطالي بدلا من المصري وبعض المحلات كذلك تضعه في أحد أركانها والطريف أنه رغم العدد الضخم المستقر في إيطاليا من أبناء الكرماء إلا أن نسبة لا تزيد على 1% منهم متزوجون من إيطاليات بينما الغالبية العظمى يفضلون الزيجات المصرية التي تتميز هناك بطقوس خاصة تختلف عن كل الزيجات الأخرى فالإنشغال بجمع الثروة جعل الأهالي يكتفون بالسؤال عن تمتع العريس بـ “البريمسو” بطاقة الإقامة في إيطاليا وإن توافرت يتم تسهيل كل أمور الزواج وغالبا لا يحضر العريس وتتم الزيجة عن طريق العائلة بإرسال صورة العروس المرشحة عبر النت وبعد الموافقة تُتم الأسرة مراسم الزواج نيابة عن العريس المقيم في إيطاليا والطريف أن الزفة تتم أيضا في غيابه فتجلس العروس على كرسى بالكوشة وعلى الكرسى الآخر يكتفى بصورة العريس الذي ينتظرها في بلد الأحلام كما يسمونها .
كما أن تكاليف الزواج داخل القرية ارتفعت بشكل جنوني فلم يعد غريبا في ميت الكرماء أن تجهز العروس مطبخا بـ 100 ألف جنيه وغرفة اطفال بـ20 ألفا كحد ادنى والشبكة لا تقل عن 50 ألف جنيه أما مؤخر الصداق فيصل لـ 250 ألف جنيه ويقوم العريس بفرش الشقة بأفخم أنواع الأثاث .
و حسب روايات أحد أهالى ميت الكرماء فإن الظاهرة بدأت مع دخول مصر لكأس العالم في بداية التسعينيات وسفر مجموعة من الشباب لتشجيع المنتخب إلا ان الحياة هناك أبهرتهم فتخلفوا واستطاعوا الهرب داخل إيطاليا ثم عادوا بعد سنوات بسيارات فارهة وملابس على أحدث موضة واشتروا أغلى عقارات القرية مما أغرى الكثيرين بخوض التجربة إلا أن الطريق الشرعي للسفر لم يكن سهلا فسعر الفيزا الرسمية وصل وقتها لـ 50 ألفا مع صعوبة توفر شروط الحصول عليها وبدأ السماسرة في الظهور حيث يدفع الراغب في السفر بين 30 – 35 ألف جنيه مقابلها ينتقل إلى ليبيا ومنها لمركب صيد متهالك يلقي به قبالة سواحل قبرص إن كان محظوظا ولم يغرق به المركب ليلتقطه أحد المراكب المارة قدرا لتبدأ معاناة البحث عن عمل مؤقت داخل قبرص لحين الإنتقال إلى إيطاليا وهناك تستمر رحلة الهروب من مطاردة البوليس الإيطالي ومكافحة الهجرة غير الشرعية لحين الحصول على الإقامة وهي فرصة لا تتاح إلا لعدد قليل جدا ويعتبر الأطفال في سن 16 -18 سنة الأكثر حظا فهؤلاء الأطفال يسلمون أنفسهم إلى الصليب الحمر على السواحل وهناك يدخلونهم إحدى مدارس البمبينو وهي تعتبر دار إيواء تعلمهم اللغة وتمنحهم الإقامة لمدة 5 أيام حتى يجدوا أسرة أو أحد الأقارب في إيطاليا يطلب ضمهم ويمنحهم جنسية دائمة ليعودوا بعد ذلك إلى مصر ليستفزوا باقي زملائه على حد قول الأهالى.
كما تتنوع المهن التي يعمل بها هؤلاء الشباب بين عامل كاشينة أي حظيرة خنازير وهو الأوفر حظا لأنه سيجد طعاما ومأوى بالإضافة إلى أنه الأعلى في الراتب من الحداد والشيال والنجار وهي أفضل المهن التي يعملون بها ويجمعون من خلالها اليورو الذي يتحول سريعا إلى ملايين تتحول بدورها إلى عقارات وأراض.