ألقى وزير الخارجية سامح شكرى، كلمة مصر أمام المؤتمر الدولى فى باريس لعملية السلام.
وجاء نص الكلمة كالتالى: “بداية، أود أن أعرب عن الشكر العميق لفرنسا على عقد هذا المؤتمر الدولى، والذى يبحث أهم قضايا منطقة الشرق الأوسط، ألا وهى سبل التوصل إلى تسوية حقيقية ونهائية لصراع دام لعقود بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، لقد حرصت مصر على تقديم كل الدعم لجميع الجهود التى بذلتها فرنسا الصديقة وخطواتها الحثيثة لإطلاق مبادرة تسعى لإحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى مرة أخرى منذ أن أُعلن عنها فى عام 2015، وذلك انطلاقًا من مبدأ راسخ أكد عليه السيد رئيس الجمهورية “عبد الفتاح السيسى”، والذى يقوم على دعم مصر لجميع الجهود الدولية الصادقة والحقيقية، التى من شأنها أن تؤدى إلى إنهاء حالة الجمود التى تمر بها عملية السلام فى الفترة الحالية، وبما يتيح إعادة طرفىْ الصراع مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات، وذلك حتى يمكن التوصل إلى اتفاق عادل وشامل يعالج جميع موضوعات الحل النهائى، ويضع حدًا لهذا الصراع بصورة كاملة.
السيدات والسادة،
لا يزال عدم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يمثل سببًا رئيسيًا فى حالة الإضطراب التى تعج بها منطقة الشرق الأوسط، وعائقًا أساسيًا أمام شعوبها لكى يوحدوا جهودهم من أجل تحقيق الهدف الأهم، وهو تحقيق التنمية والرخاء لجميع شعوبها بلا استثناء، كما مثل ذلك وقودًا للإرهاب، ليس فقط فى منطقتنا بل فى العالم أسره
السيدات والسادة،
لا يساورنى أدنى شك فى أنكم تتفقون معى فى الرأى، فى أن تجديد الأمل بانخراط الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى فى عملية تفاوضية جادة ولها أفق واضح، وهو التوصل إلى تسوية نهائية تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لهو السبيل الصحيح، وذلك لتجنب فوات الأوان وانفلات الأمور نحو منحى يمكن أن يكلفنا الكثير مع زيادة الاحتقان وانتشار دعاوى الكراهية على حساب ثقافة التعايش والطمأنينة والسلام.
فى هذا الصدد، لا أعتقد أننا هنا لنتفاوض بالنيابة عن الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، أو نفرض عليهما نموذجًا بعينه، فكلاهما لديه الخبرة للقيام بذلك والمقدرة على تحديد ما يتطلع إليه، كما أننا لسنا هنا لابتكار أسس جديدة للتسوية، فذاكرة هذه القضية مليئة بأسس ومرجعيات نعلمها جميعًا سواء من قرارات أممية على غرار 242 و338 أو مخرجات اتفاقيات سابقة توصل إليها طرفا الصراع من قبل، ولكن جئنا إلى هنا ويدفعنا الواجب قبل المصلحة للتأكيد على أهمية تسوية هذا الصراع الذى امتد لعقود، ولمحاولة رسم شكل الدور الذى يمكن أن نلعبه لمعاونة الطرفين فى التحرك صوب ذلك، سواء بتهيئة المُناخ المناسب لهما للانخراط فى مفاوضات جادة، أو طرح أفكار خلاقة لردم الهوة بين مواقفهما حول القضايا الخلافية، انطلاقاً من خبراتنا المختلفة والمتعددة.
الحضور الكريم،
إن مصر، اعتمادًا على الحوار المفتوح والصريح القائم بينها وبين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وعلى خبراتها فى التعامل مع هذه القضية، والتى تراكمت على مر العصور، ولاسيما لجولات المفاوضات المتعددة التى سبق وأن رعتها، لن تبخل ببذل جهود أخرى خلال الفترة المقبلة من أجل الحفاظ على الهدوء وإنهاء التوتر، وذلك حتى يمكن فتح حوار بنَّاء بين الجانبين، من شأنه مناقشة كيفية الامتناع عن التوتر ولاسيما تلك التى قد تجلبها التحركات أحادية الجانب، وكذا بناء الثقة بين الطرفين ووضع أسس يمكن البناء عليها للترتيب لعقد مفاوضات بينهما، ولتحقيق هذا الهدف ستسعى مصر إلى التنسيق مع الأطراف المعنية من أعضاء المجتمع الدولى، والتى ستجد لديها اهتمامًا بخوض الطريق، وذلك انطلاقًا من إيمانها بوحدة الهدف الذى يتمثل فى الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط وتمكين دوله وشعوبه من قطف ثمار السلام فى جميع المجالات اقتصادية أو سياسية أو حتى الأمنية.
وهنا يجب أن أشير إلى أن العمل على فتح حوار حول التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يمكن أن يتيح فرصة غير مسبوقة من أجل توفير إطار جاد لمناقشة قضايا أخرى ذات أهمية للإقليم الذى نتشارك العيش فيه، وفى هذا الصدد لا يسعنى إلا أن أذكر المجتمع الدولى بأن العالم العربى كان قد تبنى مبادرة فى عام 2002 تقدم عناصرها خريطة طريق كاملة ووافية، ليس فقط لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ولكن أيضا تطرح إطارا للتعاون بين دول المنطقة فى مجالات شتى، وتحقق لكل طرف ما يصبو إليه من أمن ورخاء واستقرار، ولا يحتاج الأمر سوى مناقشة سبل تفعيلها والبناء عليها، ألا وهى المبادرة العربية للسلام.
السيدات والسادة،
انطلاقاً مما تقدم، دعونا نخطو خطوات جادة لإعادة تصويب بوصلة الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى مرة أخرى نحو الطريق السليم، وصولاً إلى شرق أوسط مستقر نتفرغ فيه جميعًا للمهمة الأساسية وهى التنمية لصالح رخاء الشعوب.