فشلت برلين ولندن وباريس في الحفاظ على الاتفاق المُبرم في 2015 مع طهران لوقف برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات، بعد ما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث في بيان مشترك إنها “مصممة على ضمان تطبيق الاتفاق”، وهذا يرجع إلى أن الأوروبيين كانوا أكثر انفتاحًا على إيران، خاصة فرنسا، التي بدأت بالفعل بالاستثمار في إيران، ووقعت العديد من الاتفاقيات.
ولإنقاذ الاتفاق، حاول الأوروبيون مراعاة ترامب عبر اقتراح التفاوض مع إيران على “اتفاق جديد” يأخذ بالاعتبار القلق الاميركي حول قيام طهران بتطوير صواريخ بالستية وكذلك أنشطتها التي تعتبرها “مزعزعة للاستقرار” في الشرق الأوسط وسوريا واليمن بشكل خاص.
وحرصا منهم على طمأنة طهران، أكد الشركاء الأوروبيون أنهم يرغبون “بالحفاظ على الفوائد الاقتصادية” لصالح الشعب الإيراني، لكن الإدارة الأميركية أوضحت أن العقوبات ستكون فعالة على الفور بالنسبة للعقود الجديدة وأن الشركات الأجنبية العاملة بالفعل سيكون أمامها بضعة أشهر للتخارج من إيران.
ومنذ مطلع 2016 تم الإعلان عن عدة صفقات إيرانية أوروبية، بالأساس فرنسية، تضمنت صناعة السيارات والنفط والشحن والصحة والزراعة والمياه، وخطط إيرانية لشراء طائرات إيرباص لتحديث أسطولها المتقادم. وفي أبريل الماضي أعلن وزير النقل الفرنسي عن أن الاتفاق من أجل شراء إيران 118 طائرة ايرباص بات في المرحلة الأخيرة، وكان ما يعطل الصفقة هو أن أكثر من 10% من مكونات طائرة إيرباص من أصل أميركي، وإتمام الاتفاق يحتاج موافقة أمريكية.
لهذا بحثت فرنسا عن حل لضمان استقرار مستثمرين فرنسيين في إيران، حيث يرى كثير من خبراء الاقتصاد الأوروبيين أن إيران لديها كل ما يغري الشركات الفرنسية، فهي بلد ينطوي على قدرات هائلة بسوقه الداخلية التي تضم 80 مليون نسمة، وباحتياطاته من النفط والغاز التي تعتبر من بين الأكبر في العالم وصناعة تتطلب استثمارات هائلة، ويمكن وصفها بأنها السوق الأكثر جذبا عالميا.
ومن هنا جاءت مبادرة البنك الفرنسي للاستثمار، وقال مديره العام أن مؤسسته لا يمكن أن تتعرض للعقوبات الأمريكية لأنها ببساطة ليست مسجلة ككيان قانوني في الولايات المتحدة، ويخطط البنك لتوفير 1,5 مليار يورو لمشاريع مصدرين فرنسيين لإيران.
كان البنك الفرنسي بي ان بي قد اضطر لدفع غرامة تبلغ 8,9 مليارات دولار في 2014 لمخالفة العقوبات الأمريكية ضد إيران وغيرها، لهذا ظهر الحل الفرنسي الجديد.
ولكن يمكن لواشنطن أيضًا أن تعرقل الحل الفرنسي عبر مراقبة البريد الإلكتروني الذي يمر بخوادم في الولايات المتحدة، ولكن هل ترغب الولايات المتحدة في التضييق على الاستثمارات الأوروبية لذلك الحد؟ إن كل مشكلة دول أسيا هو ضمان تدفق النفط من مصدر بديل بعد التضييق على إيران، ثالث أكبر منتج بمنظمة أوبك، فهذه الدول تحقق معدلات نمو جيدة بغض النظر عن السوق الإيراني، ولكن أوروبا التي تجاهد للتعافي من الأزمة المالية تحتاج لاستمرار انفتاح الأسواق أمام بضائعها ومستثمريها، وإلا ستدخل في انكماش جديد، وترامب الذي كان ينوي أن يبني سور يعزله عن المكسيك ثم اكتفى بتعديل اتفاقية التجارة الحرة، وهدد بضرب كوريا الشمالية بالقنبلة النووية قبل أن يتحرك باتجاه تسوية نهائية لأزمة كوريا الشمالية، هو رجل يمكن التفاوض معه، بل وإجباره على اتخاذ خطوات للخلف لصالح أوروبا، الشريك الاستراتيجي الذي لا ترغب الولايات المتحدة في خسارته.