توحيد “خطبة الجمعة” هل يمثل حجرًا على الفكر أم حماية للوطن والدين ؟
كتب :محمود الجلاد
أصدر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف قررًا بأن تكون خطبة الجمعة موحدة فى جميع مساجد جمهورية مصر العربية وحذر من خرق القانون قائلاً: “زمن الفوضى ولى وسيتم فصل أي خطيب لا يتحدث في موضوع الخطبة المحدد من وزارة الأوقاف وأي جمعية لن تلتزم سيتم ضمها مباشرة إلى الأوقاف وهناك خطة واضحة ومدروسة لذلك “.
أثارقرار توحيد خطبة الجمعة لغطًا كثيرًا ،فقد هاجمه البعض معتبرين إياه حجرًا على الفكر وتوجيًا سياسيًا ومحاولة للدولة للسيطرة على الدين بجانب الدنيا .
بينما رآه البعض الآخر أنه نهاية للفوضى التى تعم الدعوه فى المساجد وحماية للأمن القومى من بعض أنصاف المتعلمين الذين لا يراعون مصلحة الوطن ولا يقدرون حجم تأثير المنابر على أفئدة العباد .
حاورنا العديد من المتخصصين لنعرف رأيهم فى القرار وسلبياته وإيجابياته ،وهل سيتم الإستجابة لهذا القرار من جانب الخطباء أم لا ؟
الخطبة ليست نشرة أخبار
في البداية أشاد الأستاذ طة زياد وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية , بالقرار مؤكداً أنه علاج حاسم وحازم لفوضي الدعوة في المساجد, ويري أن الوزارة أحسنت صنعا, بإصدار هذا القرار, خاصة أن معظم الدول الإسلامية والعربية والخليجية تفعل ذلك لضبط العمل الدعوي, فلا تكون الخطب لهوي الخطيب الذي قد تكون له انتماءات مذهبية أو سياسية, وقد يحول الخطبة إلي نشرة أخبار أو تجريح للمخالفين وتشهير بهم, وهذا يتنافي مع أركان الخطبة التي أجمع عليها الفقهاء.
تعاون على البر والتقوى والاوقاف أدرى بمصلحة العباد !
هكذا يراه الشيخ هشام زكي, إمام وخطيب بالأوقاف , ويضيف أن الأوقاف بما لها من سعة إطلاع على أحوال العباد والبلاد وحرصًا منها علي توجيه الأئمة بما يصلح وبما يتناسب مع المناسبات والأحداث, رأت أن تحدد عدة موضوعات معاونة للإمام في أداء رسالته, وهذا من باب التعاون علي البر والتقوي, وعلي الإمام أن يقوم بتحديد العناصر حول هذا الموضوع وجمع الأدلة بما يتناسب مع أحوال الناس وعرضها بأسلوب طيب جميل .
حدثوا الناس على قدر عقولهم
هذا ما اوصى به الرسول طبقًا لما يقول حسن سيد احمد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف بالشرقية ويستشهد بحديث الرسول الكريم ( حدثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يكذب الله ورسوله).
ويضيف أن الخطيب كالطبيب يشخص أمراض المجتمع وعلله, ويصف الدواء الناجع بحكمة واقتدار, ويعيش أحوال الناس, ويشعر شعورهم, فيشاطرهم آمالهم وآلامهم, فلا يعيش في واد والمجتمع في واد آخر, بل يعرض الموضوعات المهمة, ويتحري حسن اختيار الموضوعات, فالداعية الحكيم هو الذي يدرس الواقع وأحوال الناس, وينزل الناس منازلهم, ويدعوهم علي قدر عقولهم, وطبائعهم وأخلاقهم, ومستواهم الاجتماعي.
قرار تنظيمى فقط
هكذا يصنفه الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء,فهو ينظم للخطيب ما يقوله ويعينه علي تخير الموضوع, حتي لا يبحث وحده, وهذا لا بأس به, ولكن تحديد الخطبة علي مدي شهر أو شهرين, قد يأتي في وسط هذه المدة بعض الأحداث أو المناسبات التي تحتاج إلي إلقاء الضوء عليها, فلا بأس حينئذ من أن يتحدث عنها الخطيب, ولا تثريب عليه, ومن الممكن أن يجعلها في الخطبة الثانية, أو في جزء من الخطبة الأولي, ووزير الأوقاف رجل عالم يريد أن يعين الخطباء علي تخير الموضوعات, ولا مانع للخطيب من أن يعرج علي ما قد يجد من موضوعات جديدة أو مناسبات بعد ذلك, وإذا كانت الموضوعات لا تتلاءم مع المكان, فيجب علي الإمام أن يكيفها حسب فهم المصلين, لأنه من البلاغة( مطابقة الكلام لمقتضي الحال) فيراعي الإمام أحوالهم ويتكلم بما يحتاجون إليه.
تعامل عسكرى مرفوض
وقال الشيخ أحمد البهي رئيس حركة “أئمة بلا قيود “أن التعامل مع الخطبة الموحدة ليس تعاملا عسكرياً، بل لابد فيه من المرونة ، موضحاً أنه سيخطب في أي موضوع يراه مفيداً للمكان والبيئة التي يخطب فيها ، دون التزام مطلق بالموضوع المقرر ، وإن تم الإجبار على موضوع معين فسأقوم بإضافة لمسة خاصة على الموضوع لأجعله بصورة تدخل القلوب والأذهان مضيفاً أنه إن تم إجبارنا على قراءة الخطبة من الورقة كما هي فلابد أيضا من المؤثرات الصوتية والحركية التفاعلية مع موضوع الخطبة لنخرجها من الرتابة (وكل ذلك يكون حسبة لله فقط ومن أجل صالح الدعوة وحرصا على استفادة الجمهور)