بقلم : أحمد عبد العليم قاسم
مخرج وكاتب
- الامواج الهادئة لا تصنع بحاراً واثقاً
- والسماء الصافية لا تصنع طياراً ماهراً
- والحياه بلا صعوبات لا تصنع اشخاصاً اقوياء
نستطيع أن نواجه الحياه بما فيها من صعاب ونبتكر افكارا جديده فقط عندما يأتينا ( الإلهام ) ذلك الذي يأتي من التأمل في الطبيعة بل وتأمل الاشخاص الملهمين وفي الوقت الذي نظن الاكثر الهاما فنانون مبدعون لكن ربما يأتي الالهام من البسطاء ويزداد الامر الهاما عندما تتغير الصورة النمطية التي يظهر فيها البسطاء باحثون عن قوت يومهم فقط بأن نجد من البسطاء من يملكون الحلم والفكر والرؤية والقوة بل واليات الوصول الي الحلم ووضعه طوال الوقت أمام أعينهم هذا مانراه في ( إلهام ) .
نمر يومياً في حياتنا بعشرات البسطاء الذين يستحقون ان يتواجدوا في صدارة الشاشات الاعلامية لما يمتلكونه من قدرات علي الالهام لكنني كنت محظوظا عندما كنت امر يوميا في طريقي بجامعة القاهرة فاجدها جالسة تقرأ في كتاب تارة يكون تفسير الشعراوي وتارة كتاب اخر ولا أخفيكم سرا انه تداعي الي ذهني احتمال ان تكون من مدعي الثقافة فقررت أن اراقبها من بعيد ليظهر لي شيء جديد وهو علاقتها بطلبة الجامعة الحميمة بل وعلاقتها بشاب يرافقها طوال الوقت ظننته ابنها فضلا عنن علاقتها بقطتها التي لا تتركها ومن هنا اصبح لزاما علي أن اتحول للمباشرة واتحدث اليها وقد كان لاجد قصة انسانية مبهره انهيتها بسؤال تأخرت في طرحه وهو ان اعرف اسمها وما ان فاجأتني بأن اسمها هو الهام حتي كان القرار ان هذا هو اسم الفيلم الذي سأقوم بتنفيذه منذ هذه اللحظة !
السيدة الهام عبد الهادى من المنصورة من خريجي جامعة الأزهر سنه 1963، جاءت من المنصورة الى القاهرة لإعالة أحفادها بعد وفاة إبنها المريض ” ، قالت لزوجته، أنتى هتربي ولاد أبني وانا هاصرف عليكم ..انتي ما تشغليش ..انا اللي هاشتغل وانتي وولاد ابني مش هتتبهدلوا،وجيت من المنصورة وجلست على الرصيف وفرشت بطانية، وجلست لأبيع الكتب حتى أعول أحفادى ” قام صاحب مكتبة بالإتفاق معى على مساعدتى فى بيع الكتب، ولا أتوقف عن القراءة حيث اقوم بإرسال حصيلة ما أبيع الى احفادى ووزجة أبنى، و كل لحظة شقيت فيها ..عارفه ان ربنا هيعوضني ..والرصيف اللي بإنام عليه هنا ..ربنا هيديني مكانه قصر في الجنة ..ايوه قصر”، ومش ببرد ولا بحس بالمطر على الإطلاق، لان ربنا واقف معايا ”
وتحملت لكل الصعوبات وتجاوزت لكل انواع التحديات فيكفي ان نعلم ان بداية جلوسها امام الجامعة كان عام 2010 حيث واجهت كل الاحداث والفوضي التي مرت بها مصر في هذه المنطقة والتي كان يمكن ان تودي بحياتها و بالرغم من سنها الكبير البالغ 74 سنة، الا انها رفضت المساعدة، حيث قررت العمل ليلًا ونهارًا من أجل أن تساعد احفادها حتى يكبروا، ويكونوا من طلبة هذه الجامعة ويصبحوا خريجين في اعلي المناصب ، وهى رسالة ولا أقوى ولا أروع من سيدة مصرية قررت ان تبيت اربع وعشرين ساعة يوميا امام حلمها حتي يتحقق يوما ما .
اسمها وتمنحك الالهام من خلال تجربتها الثرية فهي تعيش في الشارع بجوار حلمها ولا تفارقة لحظة فهي تبيع الكتب بجوار جامعه القاهره و تعيش في هذا المكان منذ 2010 وهكذا فقد عاصرت كل سنوات الثورة وماتلاها من امور ورغم ذلك استمرت في عملها لكي تحصل علي قوت يومها وتختزن ما تستطيع لكي تحقق حلمها بدخول احفادها جامعه القاهرة وتشريف بلدهم.
بعد كل هذا الشحن المعنوي لم يكن هذا الفيلم يحمل الخطوات التقليدية لتنفيذ عمل فني فقد اصطحبت في سيارتي كاميرا صغيرة لمتابعة يوميات الهام يوما بعد اخر في علاقتها بما حولها حتي جاء اليوم الذي اصطحبت فيه صديقي محمد شادي ليقوم بتصوير اللقاء الذي تحدثت فيه بفطرتها حكاية تليق لان تكون نموذجا في اليوم العالمي للمرأة وان تكون محفزا لكل مبدع للبحث عمن يشبهون الهام وهم كثر فقط يحتاجون للبحث عنهم وتسليط الضوء علي فكرهم وليس مجرد البحث عن اعانتهم ربما يأتي الالهام من البسطاء ويزداد الامر الهاما عندما تتغير الصورة النمطية التي يظهر فيها البسطاء باحثون عن قوت يومهم فقط بأن نجد من البسطاء من يملكون الحلم والفكر والرؤية والقوة بل واليات الوصول الي الحلم ووضعه طوال الوقت أمام أعينهم هذا مانراه في ” إلهام “.
بعد انتهاء التصوير اتت الازمة الدائمة لاي مخرج عند المونتاج بضرورة الحذف واختيار القليل من الكلام وترك الصورة تتحدث وبدون اتفاق مسبق فجأه وجدتني في منزل صديقي شادي شريكي الوحيد في العمل في التصوير والمونتاج وبينما نحن نتحدث عن اختيار وقت مناسب يجمعنا للمونتاج فجأه بدأنا العمل ولم ندرك الوقت حتي وجدنا اليوم التالي قد بدأ وظهر الفجر ونحن علي مشارف انهاء الفيلم علي نغمات الموسيقار تامر كروان الذي اهداها لي بمحبه وتقدير لاجد بين يدي كنز انساني وجد حفاوة كبري لم اتوقعها بهذا الشكل في مهرجان يوسف شاهين والمهرجان القومي للسينما من جمهور متباين الافكار والاتجاهات لكنه متفق في الانبهار بالحاله الانسانية .
في بداية الفيلم الذي اسميته الهام لم اجد اجمل من كلمات خالد الخميسي( في كتابه تاكسي ) سوي تلك الكلمات
اهداء … إلي الحياه التي تسكن كلمات البسطاء من الناس عسي ان تبتلع العدم الذي يسكننا منذ سنوات
#اسمها_إلهام
#المخرج_احمد_عبد العليم_قاسم