كنت وغيرى من المطالبين بانتخاب القيادات الجامعية على مختلف المستويات، وكم تحدثنا عن مزايا الانتخاب، وما يمكن أن يحققه من نزاهة وعدالة داخل الجامعة، والأهم تحسين جودة العملية التعليمية، وإعادة الانضباط والرقى للجامعة. وكم تحمسنا للانتخابات الأولى بعد ثورة 25 يناير، ورقصت قلوبنا فرحاً بتحقق مطلب كان أقرب للحلم المستحيل فى الماضى القريب. واندفعنا يملؤنا نشوة النصر إلى الصناديق معتقدين أنها ستفرز أفضل من فينا. وسعدنا واحتفلنا وعاد كل منا إلى عمله ليستشعر المأساة بمرور الوقت.
فبدلا من أن تنطلق الجامعة بقفزات إلى الأمام، تقهقرت إلى الخلف فى تدهور سريع وصادم للجميع خاصة مع تداعى القيم والأخلاقيات، وانتهاك حرمة التقاليد الجامعية الرصينة التى تربينا عليها كطلاب ثم أساتذة.
فقد عمقت الانتخابات من الشللية بدلاً من أن تقضى عليها، وشاعت الروح الانتقامية من كل معارض أو مختلف فى الرأي، وتم التنكيل بهم فى سوابق لم تشهدها الجامعة. وبدلا من أن يخدم المنتخبون المؤسسة التى ينتمون إليها و«كل« من فيها، حرصوا على خدمة مصالح دائرة ضيقة من المقربين الذين تربطهم المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة، ويُعتقد أن لهم دورا محوريا فى استمرارهم فى مناصبهم.
وعلى عكس الشعارات المرفوعة التى تغنى بها المنتخبون، شاع الفساد حيث سعوا إلى مكافأة شللهم وعملوا جاهدين على كسب الأصوات، فأغدقوا على البعض من خلال بدلات حضور اللجان ومكافآت عضوية مجالس إدارات الصناديق المختلفة، وابتداع مناصب إدارية لم تكن موجودة لمجرد إيجاد مبرر لصرف مكآفات للبعض. هذا فى الوقت الذى تراجع الصرف على تحسين العملية التعليمية بشكل عام.
إلا إن الأسوأ من كل هذا كان هو انبطاح القيادات المنتخبة أمام الاخوان، فاكتظت قوائم اللجان ومجالس إدارات الصناديق بأسماء أعضاء الجماعة ومريديها، وتم الإنعام عليهم بالمناصب الإدارية الرفيعة ومنها إدارة المراكز البحثية المسئولة عن نشر الوعى والتأثير فى المجتمع عامة والطلاب خاصة، ومكنوا الإخوان من إحكام قبضتهم على المواقع الإدارية الهامة دون مراعاة لمعايير الكفاءة … فقط لكونهم إخوانا وقريبين من السلطة خلال العام المشئوم من حكم الاخوان.
وبعد أن كانت القيادات الجامعية صاحبة قرار وقادرة على الفصل والحسم عند الحاجة، ارتعشت الأيدى والعقول وافتقرت إلى الحكمة فى مواجهة مواقف فارقة وأيام عصيبة مرت بها جامعاتنا، فى محاولة للإمساك بالعصا من منتصفها حتى تنتهى المعركة فتنحاز مع المنتصر الذى يضمن لها الاستمرار فى مناصبها أياً كان. مما أدى إلى غياب الأمان وانتشار الفوضى وامتداد يد الارهاب إلى الطلاب والأساتذة الآمنين داخل الحرم الجامعى الذى طالما نظرنا إليه بقدسية واحترام. فلم يكن من المتصور أن يقتحم الطلاب، يملؤهم كره وحقد غير مسبوق وغير مبرر، قبة جامعة القاهرة التى كانت دوماً تحظى بمكانة وهيبة فى نفوس الأساتذة والطلاب. ولم يكن متصوراً أن يحطم الطلاب الباب الرئيسى للجامعة ويعتدوا على أمن الجامعة المنوط به حمايتها وحمايتهم. متناسين أن الحرية مسئولية، ولا يمكن تصور ديمقراطية دون سيادة القانون وشعور كل منا بالأمان وأن حرياته وحقوقه مصونة من تجاوزات واعتداءات الآخرين. وأنه يتعين على كل فرد إدراك أن حريته ليست مطلقة ولا ينال منها انصياعه للقانون، وإلا تحول المجتمع إلى غابة وساد منطق القوة والبلطجة.
وعلى عكس المتوقع لم تبادر القيادات المنتخبة بالدفاع عن الجامعة ضد فاشية الأخوان وطغيانهم وارهاب طلابهم فى مواجهة كل من يخالفهم فى الرأي، وانشغلت فقط بالاستعداد للانتخابات القادمة وكيف يمكن لها حصد الأصوات لضمان الاستمرار فى مناصبها حتى ولو على أنقاض الجامعة.
كنت وعدد من الزملاء نتابع ما يجرى فى ذهول من سلوك القيادات المنتخبة وخنوعها وتوددها المبالغ فيه للاخوان، ونتساءل: هل هذا ما جلبه الصندوق لنا؟!!!. وتمنيت بعد هذه التجربة المريرة أن يكون كل ما سبق كابوسا طويلا، وأن تعود الجامعة إلى ما كانت عليه، بدون فوضي، خالية من الارهاب والارهابيين، ولها »كبير« نلجأ إليه وقت الحاجة فيبت فى الأمور ويتخذ القرارات العادلة التى ترفع الظلم وتعطى لكل ذى حق حقه، ويضرب بيد من حديد على المفسدين والمخربين من الأساتذة والطلاب الذين حولوا الجامعة إلى ساحة للمعارك السياسية، وجعلوا منها غنيمة يتصارعون لنهشها والنيل منها غير مبالين بالمصلحة العامة وتاريخ الجامعة العريق وكونها منبرا للأخلاق والقيم قبل العلم والمعرفة.
خلاصة تجربة السنوات الثلاث الماضية أن الانتخابات وحدها لا تكفى لتحقيق ديمقراطية الإدارة فى الجامعات وتطوير الأداء والعملية التعليمية بها، وأن الصندوق قد يفرز ديكتاتوريات أشد ضراوة وقسوة من أى نظام آخر لاختيار القيادات الجامعية.
لقد خذلنا الصندوق فذهب غير مأسوف عليه.
نقلا عن الأهرام