حين كان حسين سرى باشا رئيسًا للوزراء أصدر قرارا بأن لا يستخدم صغار الموظفين الأسانسير فى مواعيد معينة، وحدث أن شاهد سرى باشا على أمين يكسر هذه القاعدة فعنفه ، فرد عليه علِى .. ” معاليك فاكرنى مين؟ أنا مش علِى أنا مصطفى رئيس تحرير آخر ساعة “.. فقال له حسين سرى : “يا سى مصطفى أنا باهزر.. إنت متصور مش هاعرف على أمين المهندس الصغير بالدرجة السادسة من مصطفى، تعال اشرب فنجان قهوة فى مكتبى وندردش شوية.. يا مصطفى !!”
ربما كانت هذه الواقعة رغم طرافتها سببا فى تغيير حياة على أمين الذى ترك العمل الحكومى، وتفرغ مع شقيقه لإصدار جريدة أخبار اليوم ربما استشعر الفارق بين الصحفى والموظف الحكومى، وحين جاءت الفرصة أمسك بها، وتمسك باستثمارها، وطوع كل قدراته من أجل نجاحها، بعد أن تدرج فى العمل الحكومى، حتى صار مديرا عاما للمستخدمين والمعاشات.
قليلون جدا من يعرفون الفرق بين ملامح مصطفى وعلى أمين، وأقل منهم من يدركون أن كل واحد منهم كان نمطا مختلفا، فمصطفى كان العقل، وعلِى القلب، مصطفى يستوعب الجميع، ويهادن، ويوازن، أما علِى فكان يطلق صيحاته فى وجه الجميع دون أى حسابات، فلم تكن لعبة السياسة على رأس أولوياته، فاهتمامه الأول، وربما الأوحد كان الصحافة وتطويرها، لكن ربما رحيله قبل ٣٧ عاما جعل البعض ينساه، والبعض الآخر يجهل دوره، والأغلب لجأ إلى اختزال التوأم فى شخص واحد، وهذا أضر علِى أمين كثيرا، فكل ما فعله على نُسب إلى مصطفى، وكل أفكاره صارت أفكار أخيه، ورغم أنهما كانا يفكران، ويبدعان ويطوران، ويصنعان عشرات الإصدرات معا، لكن كل واحد منهما كان له دور مختلف، ولمسة مغايرة، ورؤية فريدة، فمصطفى كان يعيش بين الصحافة والسياسة، وربما دفع أغلى ثمن للعب فى هذه المساحة.
أما علِى فكان متخصصا فى تطوير الشكل الفنى للصحف والمجلات، وطباعتها وتوزيعها، وهو صاحب عمود فكرة الذى ارتبط باسم أخيه، وهو أيضا صاحب فكرة عيد الأم، فقد طرحها لأول مرة فى عموده فكرة قائلا: لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم، ونجعله عيدا قوميا فى بلادنا وبلاد الشرق، وفى هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرا أو ربنا يخليك، لماذا لا نشجع الأطفال فى هذا اليوم على أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل، ويتولون هم فى هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها، ولكن أى يوم فى السنة نجعله عيد الأم ، وبعد نشر المقال بجريدة الأخبار اختار القراء تحديد يوم والدة على أمين هى ابنة شقيقة الزعيم الوطنى سعد زغلول، لذلك شاء القدر أن يشهد ويشاهد بنفسه ما جرى فى ثورة ١٩ -وعمره خمس سنوات- من داخل بيت سعد زغلول، فصنع هذا الظرف وعيًا مبكرا جدا لطفل صغير، فبدأ حياته الصحفية عام ١٩٢٢ ، وهو ما زال طفلا عمره ثمانى سنوات، وأصدر مع شقيقه مصطفى مجلة اسمها الحقوق مكتوبة بالقلم الرصاص، وتحتوى على أخبار البيت، وبعدها بعامين أصدرا مجلة سنة ثالثة ثالث ثم أصدرا مجلة عمارة البالى لأولاد الحى الذى يقيمان فيه.
وفى ١٩٢٨ م فصل على أمين من المدرسة لأنه صفع حكمدار الغربية الذى حاول الاعتداء على مصطفى النحاس باشا فى مدينة طنطا، فاكتفوا بفصله من المدرسة، وبعد عامين صدر عفو عنه ودخل المدرسة الخديوية، ثم التحق بالجامعة الأمريكية، وحصل على البكالوريا وسافر إلى إنجلترا، وحصل على بكالوريوس الهندسة عام ١٩٣٦ .
لكنه لم يتصور أنه سيصبح بعد أقل من عشر سنوات مهندس الصحافة المصرية والعربية، وأنه سيصنع للصحافة شكلا فنيا مختلفا ومغايرا لما اعتاد الناس عليه، فعلى أمين يُعدّ سيد درويش الصحافة، فمثلما غير درويش شكل الموسيقى غير أمين شكل الصحافة، وفى كل تجربة خاضها أضاف لمسة جديدة فحين انتقل إلى دار الهلال ليعمل رئيسا لتحريرها للعمل حدثت
مفاجأة مدوية ، فقد اضطرت دار الهلال لأول مرة فى عمرها أن تجمع الورق الدشت وتصنع منه نسخا رديئة الطبع، التهمها السوق فى دقائق بعد أن نفدت كل الكمية المطبوعة ! هذا نتاج ما فعله على أمين فى مجلة الهلال التى كان توزيعها محدودا للغاية، وكانت على وشك الإفلاس، لكنه قرر أن يجمع كل نجوم الفكر والأدب والصحافة فى إصدار واحد، فأعاد الحياة إلى المجلة الأعرق، وهذه هى قيمة على أمين الذى أسهم فى بث الروح فى الصحافة حتى لا تتعرض للانقراض، لذلك قال يومها: »أنا لم صنع هذه المعجزة، من صنعوها هم الذين يحرقون دماءهم، وأعصابهم فى المقاعد الأولى فى صحافة بلادك، إنهم إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وعباس العقاد وطه حسين وكامل الشناوى وصلاح جاهين ومصطفى أمين والدكتور محمد حسين هيكل .«
ولكن علِى داخل الجريدة شىء وخارجها شىء آخر !! لذلك كان يظن عبد الحليم حافظ أن الفنان حسين رياض هو الأنسب لأن يلعب دور رئيس التحرير فى فيلم يوم من عمرى خصوصا أنه يرى صديقيه مصطفى وعلى أمين خارج بلاط صاحبة الجلالة، حيث سهرات الفن والصحافة والأدب والسياسة، لذلك لم يكن يتخيل أن يرى ما رآه ! فحين ذهب إلى أخبار اليوم بعد أن تم الاتفاق على أن يتم تصوير بعض المشاهد داخلها، وطلب من صديقه أحمد رجب أن يُظهر له حقيقة العلاقة بين المحرر ورئيس التحرير، وأن يستفز على أمين ليراه بصورته الصحفية حيث التعامل دون تكلف أو تصنع، وبالفعل داعب التلميذ أستاذه بواحدة من مقالبه الصحفية، فانطلق على أمين وهاج وماج، واندهش العندليب لما رآه، وذهب إلى محمود المليجى ليعرض عليه أن يقوم بدور على أمين بدلا من حسين رياض الذى كان مرشحا لعمل هذا الدور.
كان اختيار حليم لأحمد رجب هو الاختيار الأمثل، باعتباره أقرب الأحياء إلى قلب على أمين، فكان يقضى معه ١٨ ساعة يوميا فى الأخبار، ولا يفارقه إلا فى أثناء النوم، ويروى أحمد رجب ذكرياته مع على أمين قائلا: فى الخمسينيات فصلنى على أمين عشرات المرات، وأنزلنى من نائب رئيس تحرير إلى محرر عشرات المرات، وعشرات المرات أصدر قرارا بنقلى بوابا ل أخبار اليوم على أن يحل محلى أبو زيد البواب نائبا لرئيس التحرير.
لكن حدث ما جعل على أمين يكف عن تهديدى بأ بو زيد أو على الأصح يقلل من حدِّته، إذ أرسلت إليه مذكرة عن تأخر الأقسام الفنية فى إعداد غلاف العدد الجديد، ومع المذكرة صورة الغلاف الملونة من تصوير أحمد يوسف ونظر على أمين إلى صورة الغلاف، فإذا بها صورة أبو زيد وعليها تعليق : أبو زيد معبود النساء اقرأ ص ٢٦ ! وضحك على أمين واعتبرها نكتة ورفع سماعة التليفون واتصل بى لكننى كنت فى مكتب آخر، واتصلت بعلى أمين منتحلا شخصية رئيس الأقسام الفنية ومقلدا صوته، وقلت لعلى أمين: أحمد رجب كتب فينا مذكرة وده غير صحيح يا فندم لأن غلاف أبو زيد جاهز.