قال يشار ياكيش، وزير الخارجية التركي الأسبق وعضو مؤسس في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إن الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، تحولت سريعاً إلى مهزلة، وأن الأحزاب التركية السياسية الرئيسية أصبحت تركز بشكل أساسي على النتائج في إسطنبول.
وكتب في مقال بصحيفة “ذا آراب نيوز” أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يدعى الفوز على مستوى البلاد، ولكن رغم فوز تحالف الحزب الحاكم مع حزب الحركة القومية، اليميني المتطرف، بأكثر من نصف الأصوات في تركيا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا التحالف سيحصل على الأغلبية في جميع مجالس البلديات الحضرية، خاصةً أن كل مقاطعة تساهم بخمس أعضاء مجلسها البلدي في المجلس البلدي التركي.
خسارة اسطنبول
وبطبيعة الحال، لدى الدوائر الكبرى عدد أكبر من المقاعد في مجالسها البلدية، ولذلك يزداد عدد ممثليها من الأعضاء في المجلس البلدي التركي، وفي الانتخابات الأخيرة حصل حزب الشعب الجمهوري المعارض على الأغلبية في معظم المقاطعات الكبرى.
ويلفت كاتب المقال إلى أن النتائج الموقتة المتوفرة حتى الآن، تُشير إلى أن حزب الشعب الجمهوري المعارض يتصدر الانتخابات في إسطنبول، لكن حزب العدالة والتنمية يبذل قصارى جهده لتغيير هذا الاتجاه.
وعندما بدأت نتائج الانتخابات تظهر في 31 مارس (آذار) الماضي، بدا أن مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم يحقق تقدماً كبيراً، ولكن في غضون ساعات قليلة ارتفع الفارق بينه وبين منافسه الرئيسي أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري، وبعد فرز 98.8% من أصوات إسطنبول قرب منتصف الليل، توقف بث نتائج المدينة، ولم تقدم وسائل الإعلام التركية الموالية لحكومة أردوغان أي تفسير لذلك.
“مهزلة” الانتخابات
ويقول كاتب المقال “بحلول الأسبوع الثاني بعد الانتخابات، باتت إعادة فرز الأصوات غير الصالحة هي القضية الأساسية، ما أدى إلى تأخير فرز الأصوات الصحيحة لأكثر من 14 يوماً بعد الانتخابات. وتجاهل المجلس الأعلى للانتخابات اقتراح حزب الشعب الجمهوري بتكوين فرق إضافية لتسريع الفرز. ومع الدخول الآن في الأسبوع الثالث بعد الانتخابات، فإن الأمور تحولت إلى مهزلة”.
ويلفت الكاتب إلى ادعاءات حزب العدالة والتنمية عن مخالفات في إحدى مقاطعات إسطنبول، إذ يزعم الحزب، وجود منازل وهمية مدرجة في قائمة عناوين الناخبين، وأن “الناخبين الافتراضيين” تسببوا في زيادة غير عادية في جمهور الناخبين في تلك المقاطعة.
ويرى كاتب المقال أنه لن يكون سهلاً على حزب العدالة والتنمية إثبات مثل هذا الادعاء، لأنه لا يُسمح للمواطنين بالتصويت دون بطاقة الهوية. وعلاوة على ذلك، كان يتعين حل هذه المشكلة، إذا كانت موجودة أساساً، أثناء فترة التحقق قبل الانتخابات، وليس بعد ثبوت خسارة الحزب الحاكم في تلك الدائرة.
مناورات الحزب الحاكم
ويلفت الكاتب إلى إشكالية أخرى تتمثل في منع بعض رؤساء البلديات الذين فازوا في الانتخابات المحلية من تولي عملهم في وظائفهم، بدعوى عزلهم من الخدمة العامة بموجب مرسوم رئاسي، ولذلك شغل مناصب رؤساء البلديات المرشحون الذين حصلوا على ثاني أكبر عدد من الأصوات.
ويرى كاتب المقال أنه كان ينبغي ألا تظهر هذه الإشكالية أيضاً بعد الانتخابات، وكان من الأجدر للمجلس الأعلى للانتخابات أن يمنع هؤلاء الأشخاص من الترشح في المقام الأول.
ويُشير الكاتب إلى سلوك آخر يمثل انحرافاً عن الممارسات السابقة لقبول طلبات إعادة فرز الأصوات، إذ قدم الحزب الحاكم طلباً لإعادة فرز الأصوات في دائرة انتخابية دون إثبات مخالفات أو أخطاء، الأمر الذي يتعارض مع ما حصل في 2014 عندما قدم منصور يافاس، الذي كان يُنافس على منصب رئيس بلدية أنقرة، طلباً للمجلس الأعلى للانتخابات لإعادة فرز الأصوات، ولكن طلبه رفض لأنه لم يقدم دليلاً واقعياً لاثبات المخالفات.
السجلات الأصلية
ويرى كاتب المقال أن حزب العدالة والتنمية بات محاصراً رغم المناورات التي أقدم عليها، إذ يقول حزب الشعب الجمهوري المعارض إن لديه في أرشيفه النصوص الأصلية للسجلات التي وقعها مراقبون من جميع الأحزاب السياسية لكل صندوق من صناديق الاقتراع في إسطنبول.
وتوضح هذه السجلات أن إمام أوغلو، مرشح الحزب، يتقدم بحوالي 14 ألف صوت، ومن المستبعد إلغاء هذه الميزة حتى لو أعيد فرز جميع الأصوات.
نظرية المؤامرة
ويضيف الكاتب أن حزب العدالة والتنمية يخشى المطالبة بانتخابات جديدة سواءً في اسطنبول أو في كامل البلاد حتى لا يبدو حزب الشعب الجمهوري المعارض أكثر قوة إذا تقرر تصويت جديد.
وعلاوة على ذلك، ثمة بعض نظريات المؤامرة التي تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية يحاول كسب الوقت قبل تسليم بلدية إسطنبول إلى حزب الشعب الجمهوري، لتفريغ خزائن البلدية، وصرف الأموال للشركات الخاصة التي تتعامل حالياً مع البلدية.
ويختتم الكاتب قائلاً: “هناك تقارير متكررة تزعم أن حزب العدالة والتنمية يحاول إبقاء المجلس الأعلى للانتخابات مشتتاً ومنشغلاً بالعديد من المطالب بإعادة فرز الأصوات حتى يتمكن من تدمير المستندات التي تدينه. ولكن مهما كانت الحقيقة، فإن تركيا وشعبها يستحقان أفضل من هذه الكوميديا السوداء”.