خلال السنوات القليلة الماضية حاولت مصر استعادة دورها الريادي في إفريقيا، ووصل الأمر إلى ذروته في مارس الماضي، عندما قامت برعاية توقيع 44 دولة إفريقية، هي من بينهم، على اتفاقية للتجارة الحرة بين بلدان القارة بغرض مضاعفة حجم التجارة البينية داخل إفريقيا، وفي ديسمبر المقبل تستضيف مصر مؤتمر إفريقيا 2018، بحضور قادة عدد من الدول الإفريقية.
الاتفاقيات التجارية البينية لها فوائد عديدة، خاصة إذا كانت تشمل مليارا و200 مليون مواطن إفريقي وسوقا تساوي 3 تريليونات دولار، ولكن اتجاه عدد كبير من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للحمائية ورفض حرية التجارة، يفرض علينا إعادة دراسة التأثير المستقبلي لهذه الاتفاقيات، فما تضررت منه الولايات المتحدة ربما يضر مصر.
هناك بالطبع مكاسب كبيرة للشركات المصرية والاقتصاد المصري عمومًا، حيث ستُفتح أمام منتجاتها أسواق جديدة، ما يدعم القواعد الصناعية ويقلل مخاطر الركود، وستكون هناك فرص أكبر للشراكات العابرة للدول، وانخفاض تكاليف المواد الخام المستوردة من دول القارة.
ولكن هذه الأمور الإيجابية ليس من المفترض أن تجعلنا نُغرق في التفاؤل، فمن أهم التحديات التي يمكن أن تواجه الشركات المصرية التفاوت الكبير بين حجم اقتصادات دول القارة، حيث تسهم مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا بأكثر من 50٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي القارة، بينما تساهم الجُزر الست ذات السيادة في إفريقيا مجتمعة بنسبة 1٪ فقط، ما يتطلب استهداف الشركات المصرية لعدد كبير من الدول، ليس مجرد سوق واحدة.
الأمر الآخر هو الانخفاض الكبير في الدخول الإفريقية ما يخلق تحديات في الإنتاج والاستهلاك، فمن حيث الإنتاج، على الشركات المصرية تقديم منتجات منخفضة التكلفة تناسب الدخول الإفريقية، كما يمكن أن تواجه الشركات المصرية منافسة غير عادلة من الشركات الإفريقية التي تقدم أجورا منخفضة للعاملين بها، ما يمنحهم ميزة نسبية في السوق المصرية والإفريقية، وربما يضطر ذلك الشركات للاختيار بين السيء والأسوأ، نقل الاستثمارات لإفريقيا أو خفض أجور العمالة المصرية، وهذا هو سبب رفض مؤتمر العمل النيجيري (NLC) ، الاتفاقية الإفريقية، حفاظًا على العمالة النيجيرية، وهو أيضًا سبب رئيسي في انتقال جزء كبير من صناعة السيارات الأمريكية إلى المكسيك.
تحديان آخران ذكرهما الكاتب ريليان أوكيلي في مقالته المنشورة الأسبوع الماضي على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو أن المنافسة بين الدول داخل نفس الاتفاق، تدفع العديد من الشركات لإهمال الطرق السليمة للتخلص من النفايات، بغرض خفض التكلفة، ما يدمر البيئة، كما أن الدول النامية، خاصة الإفريقية، قلما تسن قوانين تحمي الملكية الفكرية، ما يؤدي لتزوير وتقليد المنتجات المستوردة من الاقتصادات الأغنى، دون توفير حماية، وهذا سبب رئيسي للخلاف الأمريكي الصيني حاليًا.
لهذا لا يجب الاكتفاء بتوقيع اتفاقيات تجارية مهمة، ولكن متابعة تنفيذ الاتفاق أمر مهم للغاية أيضًا لضمان الاستفادة.