جميعنا يعلم أن الحجاج بن يوسف الثقفى كان طاغية جبار وانه قتل المئات وبلغ فجره انه قذف الكعبة بالمنجنيق فهدمها .. فكيف كانت نهايته ؟.
لقد انهى الله حياة الحجاج بن يوسف نهاية يستحقها ليصبح عبرة لكل الجبابرة .
ففى احد الايام أمر الحجاج حراسه باحضار الإمام سعيد بن جبير وكان رجلا صالحا تقيا ورعا إلا ان الحجاج قبض عليه واودعه فى السجن دون ذنب او جريرة .؟
لبس سعيد بن جبير اكفانه وتطيب وذهب معهم الى الحجاج وقال اللهم يا ذا الركن الذى لا يضام و العزة التى لا ترام، اكفنى شره و كان فى الطريق يقول لا حول و لا قوة الا بالله خسر المبطلون .
ودخل سعيد على الحجاج فقال له : السلام على من اتبع الهدى وهى تحية موسى لفرعون
قال الحجاج : ما اسمك ؟
قال سعيد : اسمى سعيد بن جبير
فقال الحجاج : بل أنت شقى بن كسير
قال سعيد: أمى اعلم اذ سمتنى
قال الحجاج : شقيت أنت و شقيت أمك
قال سعيد: الغيب يعلمه الله
قال الحجاج: ما رأيك فى محمد صلى الله عليه و سلم
قال سعيد: نبى الهدى و امام الرحمة
قال الحجاج: ما رايك فى علىّ
قال سعيد: ذهب الى الله امام هدى
قال الحجاج: ما رأيك فىّ
قال سعيد: ظالم تلقى الله بدماء المسلمين
قال الحجاج: علىّ بالذهب و الفضة، فأتوا بكيسين من الذهب و الفضة و أفرغوهما بين يدى سعيد بن جبير
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ ان كنت جمعته لتتقى به من غضب الله، فنعما صنعت، و ان كنت جمعته من أموال الفقراء كبرا وعتوا فوالذى نفسى بيده، الفزعة يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما ارضعت
قال الحجاج: علىّ بالعود والجارية فطرقت الجارية على العود و أخذت تغنى، فسالت دموع سعيد على لحيته و انتحب
قال الحجاج: ما لك، أطربت؟
قال سعيد: لا و لكنى رأيت هذه الجارية سخّرت فى غير ما خلقت له، و عود قطع و جعل فى المعصية
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك ؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما فى القبور، و يحصل ما فى الصدور ذهب الضحك
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن اذن ؟
قال سعيد: اختلفت القلوب و ما استوت
قال الحجاج: لأبدلنك من الدنيا نارا تلظى
قال سعيد: لو كان ذلك اليك لعبدتك من دون الله
قال الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس، فاختر لنفسك
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت،فوالله لا تقتلنى قتلة، الا قتلك الله بمثلها يوم القيامة
قال الحجاج: اقتلوه
قال سعيد: وجهت وجهى للذى فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما انا من المشركين
قال الحجاج: وجهوه الى غير القبلة
قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله
قال الحجاج: اطرحوه ارضا
قال سعيد و هو يبتسم: منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى
قال الحجاج: أتضحك ؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك وجرأتك على الله
قال الحجاج: اذبحوه كالشاه
قال سعيد : اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدى
ورغم سعادة الحجاج بقتل وذبح سعيد بن جبير إلا انه لم يكن يعلم أن دعواه الشهيرة صعدت إلى السماء وان الله استجاب الله لها حيث مات الحجاج بعد هذه الدعوة بفترة قصيرة ولم يعرف انه قتل خلالها احداً .
حيث اصيب بمرض الأكلة ( الدود ) التى ظهرت فى بطنه فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً وعلَّقه فى خيط وسرحه فى حلقه و تركه ساعة ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير .
كما سلط الله عليه مرض الزمهرير ( يشبه الجذام ) حيث ضربت البثور ( الخراج ) جسده كله فكانوا اذا قربوا الكوانين المملؤءة بالنار منه لتطيرها تحرق جلده وهو لا يحس بها ولايشعر بها من هول الآلام الذى تسببه هذه البثور لدرجة ان البعض قال انه كان يخور (يتأوه ) كما يخور الثور الهائج .
وكان الحجاج خلال هذه الفترة لا يذوق طعاما و لا شرابا و لا يهنأ بنوم و كان يقول عن نفسه : ” والله ما نمت ليلة إلا ورأيتنى أسبح فى أنهار الدم مردداً مالى وسعيد، مالى وسعيد ” اى ما الذى جعله يقتل سعيد بن جبير .
ويقول هذا الظالم عن نفسه قبل ان يموت : ” رأيت فى المنام كأن القيامة قامت وكأن الله برز على عرشه للحساب فقتلنى بكل مسلم قتلته مره ، إلا سعيد بن جبير قتلنى به على الصراط سبعين مره “
وشكا الحجاج حاله وما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري .
فقال له الحسن البصري : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين لكنك لم تسمع نصيحتى .
فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، و لكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .
وبقى الحجاج على هذه الحالة وبهذه العلة قرابة الشهر إلى أن توفى سنة 95 هجرية في مدينة واسط و دفن بها .