هل سألت نفسك ذات مرة عند استخدام هاتفك المحمول للدخولك لاسلكيا إلى عالم الإنترنت، من له الفضل في اختراع تقنية”واي فاي”؟.. للوهلة الأولى سيأتي في ذهنك صورة لمخترع في الخمسينات يرتدي نظارة طبية، ولكن المفاجأة هي أن يكون هذا المخترع فاتنة العصر الكلاسيكي لهوليوود “هيدي لامار”.
أجمل امرأة في العالم
ولدت هيديفج إيفا ماريا كسلر في النمسا، يوم 9 نوفمبر عام 1914، حين كانت الأجواء تُنذر بنشوب الحرب العالمية الأولى، لأبوين يهوديين، حرصا على أن يطلعاها على الكتب منذ صغرها، حيثُ قالت هيدي ذات مرة: “كان أبي حريصا على أن أتعلم كيف تدور الأشياء، ما بين آلات الطباعة وحتى عربات الترام الكهربائي”.
ومن بلاد الحرب إلى بلاد السحر، جاءت هيدي إلى إستديوهات هوليود ولم تك تبلغ السابعة عشر بعد، حتى قامت ببطولة فيلمها الأول “النشوة/Ecstasy”، والذي أعتبره الناس إباحيا نوعا ما، إلى أن لمع نجمها بعد بطولتها فيلم”Samson and Delilah / شمشون ودليلة”، و تم وضع صورتها على مجلة التايم في منتصف الخمسينات، كأجمل أمرأة فى العالم.
البداية من مصانع السلاح
عند بلوغها سن التاسعة عشر، وجدت نفسها، زوجة صانع الأسلحة فريدريتش ماندل، كانت هيدي تشعر أنها ليست سوي سجينة ذلك الكهل واسع الثراء، فزواجهما جاء بتخطيط من والديها وليس عن حب، لكنها حاولت التأقلم مع الوضع، كانت ترتاد مصانعه وتزور شركاته حتى اتسعت معارفها وتعمقت خبراتها عن صناعة السلاح من جوانبها التقنية والتجارية والسياسية على السواء.
ومن هنا، جمعت فاتنة هوليوود بين جاذبية الأنثى والقدرة على التمثيل وطموح المثقفة وتمرد الشخصية وعقلية مصممة على أن تطرق أبواب العلم والتكنولوجيا ودنيا الابتكار والاختراع.
دمية هوليود نهارا.. عالمة رياضيات ليلا
لم تطق الوضع أكثر من ذلك مع زوجها، الأمر الذي دفعها للهرب إلى لندن، ومن هناك إلى الولايات المتحدة، كانت تعيش في عالمين مختلفين تماما، شخصية صباحية تدور حول الفن والتمثيل، أو بالأحرى كانت صباحا مؤدية لدور “دمية هوليود الغبية”، حتى تنطفئ الأضواء، لتذهب هيدي إلى مختبرها الصغير الممتلئ بالأدوات الدقيقة العلمية، الموجود في بيتها الفاخر بأحد أحياء هوليود، لتتحول إلى أكثر الشخصيات رصانة و جدية.
لم تك هيدي الجميلة تأوى في سكون الليل إلى مختبرها لكي تخترع أحد مساحيق التجميل أو أنواع الصابون، ولكن لكي تخترع أجهزة حديثة تنتمي إلى علم البحث اللاسلكي.
براءة اختراع
تقدمت هيدى لامار وعازف البيانو جورج أنثل لنيل براءة اختراع (وحصلت عليها عام 1942)، عن فكرة تصميم نظام اتصالات لاسلكي يصعب اختراقه والتنصت عليه، وتعتمد الفكرة على تغيير تردد الموجة اللاسلكية الحاملة للإشارة بطريقة شبه عشوائية، بحيث يصعب على أى طرف غير المرسل والمستقبل تتبع الأمر، وأطلق على هذه الطريقة مصطلح “القفز الترددي”.
ويرى العلماء أن هذه الفكرة هي نواة اختراع أجهزة التليفون المحمول والتقنيات اللاسكلية كـ “البلوتوث” و”واي فاي”، وتحتفل المانيا و النمسا وسويسرا، كل عام بعيد ميلادها والذي أطلق عليه “يوم المخترع” تكريما لإنجازاتها العلمية.
نهاية مأساوية
على غرار الجميلات، كانت نهاية هيدي لامار حزينة و مآساوية، حيث كبرت في السن وانكسرت، عاشت أواخر حياتها فى فقر وبؤس حتى اضطرت أن تسرق قوت يومها من البقالات، و انتهى بها المطاف في السجن، فأدمنت المخدرات و توفيت وحدها في سلام عام 2000 عن عمر يناهز 86 عاما، تاركة وراءها قصة ملهمة لامرأة جمعت بين كل شيء.