ربما الحديث عن معركة الطف التى دارت فى كربلاء بين الحسين بن الامام على بن ابى طالب وثلة من اهل بيته ومن معه من الرجالات الذين قدموا معه او الذين استصرخوه وبين جيش الدولة الأموية حديث متشعب وغائر فى محيط الكلمات والمحللين مئات من السنين مرت على هذه المعركة التى حدثت فى عام 61 للهجرة وآلاف من الكتب الفت وآلاف من المحاضرات القيت فى اماكن متعددة فى الجامعات والمنابر والاسواق والجوامع لكن الغالبية من تلك الكتابات كانت تتحدث فى جانب واحد فقط هو الجانب المأساوى والتراجيدى لما حصل لتلك العائلة وربطها بالصلة والقرابة للرسول وهذا ليس عيبا او قطع لأوصال جسد المعركة وتجريدها من دوافعها ونتائجها التى وصلت لأخر الاجيال الذين يتمتعون اليوم بنعمة العيش على هذه الارض وهذه المؤلفات غفلت التحركات الاخرى للفريقين وجعلت منهما مجردين الا من صفتين احدهما يمتهن القتل لمجرد القتل والأخرى طالبة للشهادة مبتعدة عن مايدور داخل تلك الفسطاطات الشامخة لقادة الجمعيين وكأن الامر لا يعدوا إلا آلاف من الاشخاص جاءوا لقتل مئة من الاشخاص فى الجانب وينتهى الامر لا خطط ولا تمعن ولا نظرة مستفيضة لما تؤول له الامور فى اللحظات الاخيرة او فى ساعات المعركة او ما يقدم بعد ذالك فى مجريات المعركة وهذا بالتأكيد بعيد جدا عن الوضع العام لتلك الواقعة ففى كلا الفريقين قادة معروفين ومحنكين فى خوض غمار الحروب وولدوا وفى ايديهم سيوف الحرب فالحسين بن على ومن يتتبع تاريخه من مولده يكتشف انه رجل حرب وخاض الكثير من الحروب ابتداءا من معركة القادسية وانتهاءأ بمعارك ابيه اخر الخلفاء الراشدين مثل معركة النهروان والجمل وصفين وكذالك اخيه العباس بن ابى طالب ومن الجانب الاخر هناك عمر بن سعد والشمر بن ذى الجوشن والحر الرياحى وهؤلاء ايضا خبروا الحياة العسكرية وقادوا الحملات الحربية فى العصر الاموى الذى امتد لعشرات السنين وهو يخوض الحرب فى الامصار لتثبيت الدولة الاموية.
الوقوف على شاطئ الفرات كمشاهد وانت تتبع الواقع الملحمى لتلك المعركة يضع نفسك فى حيص بيص الخلل الواضح والجلى لتلك المجريات التى نست او تناست او حتى غفلت حقائق لا يمكن ان تدير بطرفك عنها دون تسليط الضوء عليها لمعرفة سبب حدوثها ولماذا وهل الصدفة كانت تلعب دورا لتسيير تلك الرقعة الارضية وشخوصها التى وقعت فيها الواقعة ؟؟
الجواب بالتأكيد لا فمثلا المتمعن فى احد اهم تلك الشخصيات التى خاضت تلك المعركة والتى تركت بصماتها الواضحة فى ساعات المعركة او بعد انتهاءها ولمئات السنين يقف حائرا لما واجهت تلك الشخصية العسكرية النشأة والاصل والتى انحدرت من بيت ولد فيه اهم ابطال التاريخ الاسلامى وتربوا على وقع الخطوب وشربوا من ماء المنايا الكثير لكن الناقل لتلك الشخصية يمر عليها مرورا متعجلا ولم يقف عليها وقفة مستفيضة لينقل للناس السبب الحقيقى لما جرى عليها من اختلافات واضحة فى طريقة النيل منه حتى الوصول له ساعة السقوط من علياءه ,,, انه العباس بن على بن ابي
طالب والخوض فى هذه الشخصية من النسب بجهة الام والاب او الايام التى عاشها فى كنف ابيه واخوته لأبيه يكتشف انه يقف امام رجل قل مثله شبيه رجل اخر وقلما تلد امراة مثله لشجاعته وورعه وتدينه وحفظه للقران والتاريخ قبل الطف يتحدث عنه كرجل خاض المعارك برفقة ابيه وله فيها ماثر وابلى فيها بلاء حسن وسمى باسماء من قبل انتقلت معه الى معركة الطف وعرفه الناس عليها وضلت ملازمة له ومنها (بطل القنطرة ..قمر بنى هاشم –حامل اللواء –الساقى –السقاى –أبا الفضل وما إلى ذالك )حتى ان الذى يريد ان يتقاتل معه عليه ان يحسب حساب لأخرته كما هو شان ابيه و هذه
الاسماء ابقتها الايام لها وقعها الواضح على مر تلك السنين منذ معركة صفين الى يوم الطف وضلت ترهب وتخيف من يجابهه فى قتال او مبارزة او واقعة على مر السنين …
الحقيقة الذى جرى على تلك الشخصية مختلفة كحقيقة قتالية فى ساعات القتال فالعباس الرجل الوحيد الذى فقئت عينه اولا ثم قطعت يده اليمنى ومرت اكثر من ساعة لتقطع يده اليسرى والرواة اغلبهم يشيرون الى تلك الاحداث على هذا الرجل لكن لم يخبروا الناس هل هى محض صدفة او قل هى احداث غلب عليها ىالسيف والرمح والنبل قبل العقل والحقيقة التى يجب ان يعرفها الناس انها ابدا ليس صدفة بل مخطط لها وبمهارة القادة العسكريين عندما يقفون على منضدة الرمل وهم يشيرون الى نقاط قوتهم وضعفهم وجر العدو الى نقاط قتلهم او سحبه الى مكامن نصرهم والفتك به وهذا بالضبط ما جرى للعباس بن على فعلا…
عدد اصحاب الحسين من انصاره واهل بيته لا يتجاوز المئة والعشرين المقاتلين سبعة عشر منهم هم اولاده وابناء اخوته وعمومته ومئة منهم الانصار هؤلاء جميعهم كانوا يأتمرون بامر الحسين كاب روحى لهم ويأتمرون بأمر الامام العباس كقائد عسكرى حامل للواء المعركة الشاخص منذ خروجهم من الحجاز حتى سقوطه وينظر له الجمعيين نظرة اعجاب اولا كرمز للقوة والنضال وتاريخه يشهد وينظرون له نظره رعب وخوف يجلب لهم المنايا وتاريخه يشهد ايضا ,, معروف فى تلك الازمان ان الجيش ينظر لحامل تلك الراية ليستمد منه العزيمة والثبات والقوة فبقاء الراية شامخة مرتفعة يعني
بقاء القائد ولايمكن فى مكان ان تسلم تلك الراية الى شخص غير جدير بها بتاتا لأن هذا يعنى انه نذير شؤم وموت وخسارة فى ساحات الوغى لذا وجب ان تكون راية الامام الحسين يحملها اخيه العباس ولا خلاف على ذالك ولم ينازعه لنيل ذالك الشرف احدا ابدا وعلى مر كل معارك العرب دائما ما يسال من حامل اللواء الاول او الراية الاولى كاستفسار عن القوة التى يتمتع بها الجانب الاخر هذا لايعنى انه لاتوجد الا تلك الراية لا ابدا بل توجد رايات تشير الى العشائر او نوع الفرقة العسكرية او بعض الاخر توجد رايات لتوصيل رسالة الى جهة ما او فصيل ما.
لكن تبقى راية واحدة شامخة هى راية القائد والجميع ينظر لها باستمرار حتى عند وقوع المعركة وكثيرا ما نقرا ان خدع ودعايات تبث فى بين الجمع تنبئهم عن سقوط راية ما للنيل من عزيمتهم وتدمير معنوياتهم لكن الواقع غير ذالك لذا فان الراية التى كانت شامخة فى يوم الطف كان حاملها العباس بن على اخ الحسين لأبيه ربما لا يعرف البعض ان الفرق الشاسع والبون الهائل بين القوتين واختلاف حجمهما بالعدة والعدد يجعل منه لا ينظر بدقة الى ميزان القوة بينهما فالدولة الاموية وهى فى اوج عظمتها تستطيع ان تجهز العشرات من الالاف او حتى المئات لمقاتلة جيوش لدول اخرى وتنتصر عليها
يقف اليوم قادتها متحيرين كيف يتعاملون مع ثلة يعتبرونها خارجة عن القانون او فئة يسميها بعضهم ضالة او من الخوارج او من الديلم لذا صار لزاما عليهم ان يهيئوا هذا العدد الهائل من الجيوش وبكل اصنافها بعد ان عمل الاعلام عمله لأقناع القادمين للمعركة انها المعركة المصيرية وهؤلاء هم الداعين للزعامة او الانقلاب وإلا ماسبب بقاء كل هذه الاعداد وعدم انسحابهم من ساحة المعركة بعد ان عرفوا بعدد القوة الاخرى وعدتها وقلتها انها مجرد مجموعة من الرجال والنساء والأطفال وهذه بعيدة كل البعد عن عناصر المعركة فالداخل الى المعركة لا يمكن ان يأتى بأزواجه وأطفاله وبناته الى ساحات القتال وهذا يعنى ان الحرب الاعلامية للدولة الاموية اثرت ثراء قويا فى بث روح الفرقة بين معرفة القوم من يقاتلون واعلامهم بحرب ردة بكل معانى حروب الردة فاستقر العدد لجيش بنى امية على هذا الكم الهائل من العدد والفرسان والقادة المحنكين …
وامر ثانى ان قادة بنى امية يستطيعون وببساطة ان يقتلوا الحسين واهلة بمجرد دخولة حدود تلك الامبراطورية وارسال القائد الحر الرياحى لملاقات الحسين على تلك الارض واستغراب الحر عندما شاهد الحسين وهو يسير بأصحابه واهلة قائلا له (ياحسين هل جئت بهؤلاء تقاتل ال أمية ارجع من حيث اتيت فانى الان استطيع ان اسحقك ومن معك ) وهذا الكلام يعنى ان الحر نفسه كان مغررا به بان الحسين خرج بجيش جرار لاقبل لأحد به والحر قائد ومقرب من الامير وهذا ينعكس على جميع من كان فى الساحة.
والحقيقة الاخرى ان بنى اميه فعلا يستطيعون قتل الحسين وبأيسر الطرق لكنهم ولبغضهم له ولأبيه ولثارات قديمة ارادوا قتله بطريقتهم والتى تمنوا ان يروها به وهى البحث عن لحظات الضعف ليستطيعوا ان يحطموا الاسطورة الحسينية ودليلنا على ذالك ان احد الناقلين لأحداث المعركة ينقل صورة غريبة ,, التفكر والتمعن بها يجعل الجميع يستغربون من عدم قتل الحسين وهو واقف او فى حالات عديدة وينتهى كل شيء وهم قادريين ينقل ذالك الرجل ,,
ان الحسين جاء بابن له رضيع وهو يطلب من جيش ابن سعد بعد ان قتلوا اصحابه واخوته ان يسقوه ماءا لأنه طفل رضيع ولا شان له بالأمر فصار الجيش بانقسام بين ان يسقى الطفل او لا يسقى وتعالت الاصوات فنادى عمر ابن سعد النبال حرملة ويقال ان حرملة كان من اكثر النبالين العرب دقة ومهارة باصابة الهدف ومن مسافات عدة قائلا له (حرملة اقطع نزاع القوم ) رد عليه حرملة بالابن ام بالوالد قال له ابن سعد بل بالابن وفعلا سدد سهمه ورماه فذبح ذالك الرضيع من الوريد الى الوريد السئوال لماذا لم يقل له ابن سعد بل بالوالد ليقتل الحسين وتنتهى المعركة اذن كانت هناك رؤيا اخرى لبنى امية وقادتهم فى نوع قتل الحسين بن على .
مجريات الامور فى ساعات النهار الاولى من اليوم العاشر من المحرم تنذر بوقوع الحرب لا محالة فخرج القائد عمر بن سعد وشمر بن ذى الجوشن وهم يتمشون ليتأكدوا من مواضع قوتهم وعمر بن سعد يستهزأ بالفريق المقابل وهو يقهقه كان عمر ابن سعد يتبجح بكثرة العدة والعدد وهو يتسامر مع بن ذى الجوشن ليسأله قال عمر لشمر…
لماذا كل هذا العدد من الجيش لمجموعة لا تتجاوز المئة فإننا سنسحقهم بحوافر خيولنا لو سرنا نحوهم؟
فرد الشمر عليه قائلا بئس الراى رايك يبن سعد الا تعلم من حامل اللواء لتلك المجموعة؟
فأجابه ومن يكون ذاك؟
فرد عليه انه العباس بن على بن أبى طالب ومن يستطيع ان يصل لهم وهو على صهوة ذالك الجواد ؟ وإننا لا نستطيع المنازلة معه لذالك يجب ان نخرجه من المعركة ليخلو لنا الحسين وعند ذالك نستطيع القضاء عليهم؟وقبل بدا المعركة خرج الشمر بن ذى الجو شن وهو ينادى …اين ابن اختنا العباس وإخوته؟ فلم يجبه العباس وطأطأ رأسه .وناداه ثانية ولم يجبه..فأمر الحسين العباس ان يجيبه ولو كان فاسقا ..خرج له العباس وصاح به ما تريد يبن الجوشن ..رد عليه الشمر الأمير أعطا لك ولإخوتك الأمان فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين بن على ..رد عليه العباس تعسا لك و لأميرك ..اتا مننا وابن بنت رسول الله لا أمان له ..وهذه المحاولة الاولى لأخراج العباس من المعركة لأن ابن سعد وابن الجوشن متفقين انه زارع للرعب فى قلوب الجيش وانه قاتل منهم بدون اى اختلاف مقتلة كبيرة لذا فقد ياسوا من محاولتهم تلك برد العباس لهم بهذه الطريقة .
بعد ان عاد ابن الجوشن لابن سعد خائبا استدعى القادة الميدانيين الى خيمة القائد ابن سعد وامرهم ابن سعد بوضع خطة لقتل العباس وألا تعرض الجيش لسيفه و لرمحه فجلسوا جميعا على منضدة الرمل فى فسطاط ابن سعد وبدأت الاراء تطرح لوضع الخطة حتى اتفق القوم على استدراج العباس ابن على الى طريق كثيفه بالنخيل لا يسمح المرور من خلالها الى لشخص واحد ويتم ذالك باصطفاف فريقين على كل الجوانب واجباره بسلوك ذالك الطريق ووضعوا فى الطريق مكامن للفتك به فاختير اولا ابن طفيل ليكمن له وراء كثافة النخيل ومهمته بتر يده اليمنى ليثنيه عن القتل واختير اخر بقباله كامنا فى ذالك الطريق فاذا فشل ابن طفيل عليه ان يبتر يده اليسرى ومقاتل اخر يكمن له حاملا رمحا يضربه على راسه لأضعافه على اقل الاحوال فكان هم قادة الجانب الاموى اسقاط الراية وإفلات السيف من يدى العباس وقبل كل هذه المكامن اختير رجل يسمى حرملة كان من ادق النبالين برميه بسهم بعينه اليمنى وربما للعين اليمنى واطفاءها علاقة تجعل العباس يسلك الطريق لأعتماده على عين واحده وهذه العملية والخطة اعدت بدقة متناهية لكن الامر الذى لم يكن بالحسبان لهؤلاء القادة وهم كانو يتمنون عدم الاشتباك مع العباس والقتال معه بنجاح تلك الخطة.
وهنا تاتى الرياح بما لا تشتهى السفن فالعباس طلب منه اخيه الحسين وهو عازم على الخروج لمقاتلة الجيش طلب منه ان يجلب الماء لأطفاله واخواته وزوجاته وهذا الطلب الذى لابد ان ينفذه العباس جعل من خطة القادة صعوبة تنفيذها دون الاشتباك مع العباس لأن طريق الذهاب الى النهر يختلف كليا عن الطريق المرسومه لسلوكها وفعلا اشتبك العباس مع القوم ونزل الفرات وملأ القربة ونزوله وملأ قربته يحتاج الى وقت لكن لم يتعرض له احد ولم يقترب منه اى عسكرى اخر وهو فى اضعف حالات المقاتل دليل واضح على ان القوم كانوا لايريدون الاشتباك معه لكن الاوامر الجديدة نقلت الى القوم وبسرعة البرق بمنعه سلك الطريق الاول ومحاولة تغيير وجهته الى الطريق المرسومة الاخرى المتفق عليها وتم ذالك فعلا بعد ان جاء الامر من القائد الميدانى ابن ذى الجوشن بتكثيف الجيش على طريق العودة وجمع الرماة ورميه بالنبال والحجارة لتغيير وجهته وإفساح الطريق له ليمر على درب المكيدة على ان يطلق حرملة سهمه ليصيب عينه اليمنى اولا وهذا سيؤدى نصف الغرض لأستدراجه.
وتم ذالك لكن ليس بالسهولة المتصورة فبعد ان عاد العباس الى طريقه الاول وتلقته السهام والحجارة بكثافة المطر توقف بعض اللحظات امام القوم وهذا اللحظات التى توقف فيها العباس كافية وكفيلة ان يسدد حرمله سهمه الى العباس ويصوبه نحو عينه وفعلا تحقق له ما اراد ليضطر العباس ان يدير لجام جواده ويسلك طريق الخديعة الضيق والذى فيه كامن ابن طفيل وبمجرد المرور بين تلك النخيلات يضربه ابن طفيل فيبتر يده اليمنى وهنا صارت مهمة البتار ليده اليسرى سهلة فالعباس اصيب اصابتين قاتلتين فى عينه وبترت يده فجعله كما يبدوا مترنحا من عظم الإصابتين لتبتر يده اليسرى فيصبح صاحب الرمح الطويل قادرا على مواجهته ليضربه على رأسه وفعلا حصل له ذالك بمجرد مروره واكيد ومروره كان بطيئا ليسقط ذالك الرجل بعد ان فشل فى ايصال الماء الى مخيم اخيه والذى كان هدفه الاول وابلى بلاء حسن بمقاتلة جيش الأمويين.