بموافقة مجلس النواب الأسبوع الماضي على تعديل قانوني يتيح للحكومة حظر زراعة محاصيل معينة في مناطق تحددها، وإعلان أن «مصر تعاني من فقر مائى »، تدخل مصر – فعليا – في مرحلة مفصلية تؤكد أن التعامل مع ملف المياه قبلها سوف يختلف – أو هكذا من المفترض – تماما عمّا بعدها.
الحكومة من جانبها تقول إنها ترشد استهلاك المياه، فيما يؤكد النواب أن «المحاصيل التي ستحظر ستكون من النوع الأكثر استهلاكا للمياه»، لكن التعديل أتاح للحكومة زراعة المحاصيل المحظورة في المناطق المحددة.
ويتيح التعديل لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي بالتنسيق مع وزير الموارد المائية والري تحديد مناطق لزراعة أصناف من المحاصيل دون غيرها، لترشيد استهلاك المياه، والحد من اختلاط السلالات، والحفاظ على نقاء وجودة التقاوي والأصناف.
ونص التعديل على أنه «لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي بقرار منه بعد التنسيق مع وزير الموارد المائية والري أن يحظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة، وله أن يستثني من ذلك مزارع الوزارة والحقول الأخرى التي تُستعمل للتجارب والإكثارات الأولى للمحاصيل».
وعاقب التعديل المخالفين بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه عن الفدان، أو كسوره وإزالة المخالفة على نفقته. وأجاز حبس المخالف مدة لا تزيد على ستة أشهر.
وفقا للبيانات المتاحة فإن الأرز يعد من أكثر المحاصيل جذبا للمزارع المصري نتيجة الربحية التي يجنيها من ورائه، لكن في المقابل يعد الأرز أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه، حيث يتراوح استهلاك الفدان الواحد بين 7500 و8 آلاف متر مكعب سنويا، بينما يستهلك فدان الموز نحو ١٨ ألف متر مكعب فى الأراضى القديمة التى تروى غمرا، و٦ آلاف متر مكعب فى الأراضى الجديدة، كما يعد قصب السكر من أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه أيضًا.
ما يرجح كفة الأرز على باقي المحاصيل الشرهة للمياه، هو حجم المساحات المنزرعة، إذ أن الغلبة للأرز الذي تصل مساحاته المنزرعة لنحو مليون و500 ألف فدان في المتوسط، وهى المساحة التي تسعى الحكومة وفقا للقانون الجديد لخفضها إلى ما يتراوح بين 700 و800 ألف فدان.
وعلى الرغم من “الإفاقة المتأخرة نسبيا” من جانب الحكومة والبرلمان والتحرك البطيء لحل أزمة الفر المائي، إلا أن كافة الوقائع الحالية تؤكد أن الاكتفاء بتلك الخطوة – دون اتخاذ إجراءات مكملة أكثر أهمية – سيمثل أمرا غاية في الخطورة، فمن الناحية الاجتماعية سيكون هناك مئات الآلاف من المزارعين الذين سيتضررون بشدة نتيجة عدم إمكانية زراعة الأرز مجددا، مالم توفر الحكومة لهم محاصيل بديلة تحقق معادلة (توفير المياه وتحقيق الربح).
عدم توفير تلك البدائل قد يتسبب أيضا في أزمة اجتماعية، وربما مشكلة أمنية في مناطق تعتمد على قصب السكر كمصدر رزق أساسي وأغلبها يقع في مدن وقرى الصعيد الأكثر فقرا.
التوقعات تشير أيضا إلي تكبد مصر تكاليف مادية لم تكن في الحسبان، نظير تقليص مساحاتها المنزرعة من الأرز تحديدا، ووفقا لتوقعات خبراء في المجال الزراعة، ستكون هناك فجوة بين الإنتاج والاستهلاك تقدر بنحو 1.8 مليون طن أرز سنويا، تقدر – وفقا لمتوسط سعر 450 دولار لطن الأرز – بحوالي مليار دولار قيمة الواردات المتوقعة سنويا من الأرز، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل حول إمكانية التفاوض مع الجانب الأثيوبي لتحمل جزء من تلك التكلفة باعتبارها ناتجة بالأساس عن الآثار المرتبة على بناء سد النهضة، ويفتح الباب أيضا للسؤال بشأن دقة الرصد الحكومي لحركة أسعار المحاصيل الاستراتيجية عالميا.
تطوير منظومة الري والتوقف السريع عن رى مزارع الفواكه في الدلتا بالغمر، خطوة مكملة لابد من الإسراع فيها، حيث تعتمد أغلب مزراع الدلتا على الطرق التقليدية في الري. و كما يؤكد خبراء في المجال فإن مشروع التحول إلي الرى بالتنقيط الذي تم إطلاقه قبل العام 2010 وتوقف يجب أن يعاد تفعيله. بدون تلك “الخطوات المكملة” يمكن القول إن قرار “النواب” وتحركات الحكومة ستكون بلا جدوى حقيقية.