من منا كمصريين لا يعرف النشيد الوطنى لمصر، بل ويحفظه عن ظهر قلب،من منا لم يردده فى طابور الصباح المدرسى ، وفى فترة الخدمة العسكرية بعد ترديد نشيد الجيش المصرى، وقبل السلام الوطنى.
من منا لم تغلبه دموعه أحيانًا وهو يردد نشيد ” بلادى بلادى .. لكِ حبى وفؤادى ” فى أحداث ثورة 25 يناير سواء كان فى ميدان التحرير أو وهو يتابع ما يحدث عبر شاشات التليفزيون.
من منا لم تختلط دعواته بكلمات النشيد الوطنى فى بداية المباريات المهمة للمنتخب الوطنى المصرى سواء فى بطولات أفريقيا او تصفيات كأس العالم أو كأس العالم للقارات.
يُجمع كل المصريين على ان النشيد الوطنى ” بلادى بلادى ” من آلحان خالد الذكر الشيخ سيد درويش، لكن أظن أن 99% من الشعب المصرى لايعلمون من هو مؤلف النشيد الوطنى المصرى، فهناك من سيقول لك إن مؤلفه هو سيد درويش، وهناك من سيقول إن مؤلفه الزعيم مصطفى كامل.
فرغم أن مطلع النشيد من كلمات ألقاها الزعيم الوطنى مصطفى كامل فى إحدى أشهر خطبه عام 1907م وهذه كلماتها: ” بلادى بلادى لك حبى وفؤادى.. لك حياتى ووجودى، لك دمى، لك عقلى ولسانى، لك لُبى وجنانى، فأنت أنت الحياة.. ولا حياة إلا بك يا مصر” إلا أن مؤلف النشيد الوطنى هو شيخ المؤلفين المصريين يونس القاضى.
أرتبط الشيخ يونس القاضى وطنيًا وروحيًا بالزعيم مصطفى كامل، ولا يُنسى بالطبع ما قاله له :” يا شيخ يونس أنا بخطب بالفصحى والفرنسية والإنجليزية ولكن الناس فى حاجة لمن يحدثهم بلغتهم وأنت الوحيد الذى يستطيع ذلك “، وقد ترجم القاضى هذه الكلمات فى أعماله الفنية وفى نشاطاته السياسية الوطنية.
وقد دفع الشيخ يونس القاضى ضريبة أغانيه ومسرحياته الوطنية حيث إنه تعرض للاعتقال 19 مرة وقد اعتقله الإنجليز أكثر من مرة حين رأوا الجماهير تردد أغانى مسرحياته فى المظاهرات.
وكان النشيد الوطنى ” بلادى بلادى” قد كتبه الشيخ يونس لترجمة مشاعر الشعب المصرى بعد نفى سعد زغلول ورفاقه ولا تتوقف أبدًا عند ذلك بل كتب أيضًا (يا بلح زغلول) و(أهو ده اللى صار) و(شال الحمام حط الحمام من مصر لما للسودان) و(يا عزيز عينى) التى كتبها بسبب إجبار الشعب على الخدمة العسكرية فى صفوف الإنجليز المحتلين ولا ينس التاريخ له أغنيته عام 1911 وكأنه يكتبها عن أحوال مصر فى الفترة الأخيرة ” يا ست مصر صباح الخير.. يسعد صباحك يا عنية.. فين العدالة يا مونشير.. وبس فين الحرية “.
علينا أن نخجل جميعا لأننا لانعرف شيئًا عن الشاعر الذى كتب النشيد الوطنى الحالى للدولة المصرية منذ عام 1979، بل لا نعطيه حقه فى أن نعترف بأنه صاحب كلمات النشيد الرائع الذى أستوحاه من كلمات الزعيم مصطفى كامل، وصاغها الشيخ سيد درويش فى لحن يلعب على أوتار القلب، فتحية للشيخ يونس والشيخ سيد والزعيم مصطفى كامل، وتحية لكل من ضحى من أجل مصر، ونحن جميعًا نقصر فى حقه.